يوسف أبولوز في ذكرى مرور 70 عاماً على إسقاط القنبلة النووية على مدينة هيروشيما في الحرب العالمية الثانية (6- 8 - 1945 )، انصرف اهتمامي إلى جمع أكبر قدر من المعلومات عن الطيار الذي أسقط القنبلة على المدينة، وحصد في دقائق أرواح 150 ألفاً من البشر، واسمه بول تيبيتس. ووفق الموسوعة الإلكترونية الحرة، فإنه ولد في عام 1915، وتوفي في العام 2007، وتقول الموسوعة إنه زار المدينة المنكوبة بعد 3 أسابيع من إسقاطه القنبلة عليها، وقبل وفاته قال إنه لا يمانع من إلقاء القنبلة مرة ثانية لأنه ينفذ أوامر القادة. أكتفي بهذا القدر من المعلومات، وأحدق طويلاً في صورة الطيار، وإن كان للإنسان أن يقرأ الطبع البشري من خلال الوجه، فإن وجه الطيار يكشف عن شخصية عصابية. نظرات حادة، فم مغلق، وعينان متوعدتان. بكلمة ثانية لا تستطيع أن تفصل الإنسان عن طبيعة ملامحه، خاصة ملامح الوجه، ووجه الطيار بول تيبيتس وجه حيادي بارد بتفاصيل حادة، وأعتقد أن وراء هذا الوجه روح باردة أيضاً، وعلى أي حال ليس من السهل أن تختار طياراً وتحمّّله قنبلة تحمل 60 كيلوغراماً من اليورانيوم، وتقول له: اقصف بهذا الكم من السلاح المدمر مدينة ما بأطفالها وحجارتها وطيورها، ثم يوافقك على ذلك، ويطير إلى هدفه كأنه ذاهب في نزهة. أقول من الصعب أن يجري كل ذلك لطيار، ويوافق وبهذه السهولة إلا إذا كانت نفسيته هو مهيأة أصلاً لهذا العنف، أو إذا كان قد خضع إلى تأثير نفسي ممنهج على يد علماء نفس واجتماع بحيث يقبل مهمته وكأنه مخدر، وأكثر من ذلك هو على استعداد لأن يلقي قنابل نووية، مرة ثانية، على مدن أخرى. بول تيبيتس كان في الثلاثين من عمره عندما قام بمهمته العسكرية التي دفعت اليابان للاستسلام، أي أنه كان في ذروة الشباب، وذروة الشباب تعني المغامرة مهما كان ثمن هذه المغامرة كارثياً، وباختصار، شخصيات في التاريخ لها نقاط متوهجة مثل اليورانيوم، وبصرف النظر عن الجانب الكارثي في هذه الشخصيات تستحق فعلاً الفحص والقراءة والمراجعة السيكولوجية. والغريب أن شخصية مثل شخصية هذا الطيار لها وجهان، فهو واحد من أبطال الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر ثقافية أمريكية، ولكنه مجرم من وجهة نظر يابانبة، لكن الأشد غرابة أن اليابانيين في احتفالاتهم بذكرى إلقاء القنبلة على هيروشيما لم يتحدثوا عن الطيار بوصفه مجرماً، ولم يرفعوا يافطات الشيطان الأكبر عن أمريكا، ولم يتذكروا الكارثة إلا من باب السلام، والإخاء، والمحبة، ونبذ روح الكراهية والانتقام. روح يابانية بهذه الرحابة الإنسانية تجاوزت الكارثة في أقل من 50 عاماً، وصنعت اليابان واحداً من أقوى اقتصادات العالم، وشطبت من ثقافتها فكرة وثقافة الحرب، وأنتجت حضارة راقية من الفنون والعلوم والتكنولوجيا الأسطورية. yosflooz@gmail.com