مع وضع تعديلات الأطر القانونية المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية، ومجلس النواب، تثار عديد الأسئلة حول مدى فعالية وكفاءة أعضاء البرلمان المقبل وقدرتهم على الوفاء بالأدوار التشريعية والرقابية المنوطة بهم؟ وفى إحداث التوازن السياسي بين السلطات الثلاث. أحد أهم الأسئلة التاريخية التي تثار هو أين الأحزاب السياسية؟ سؤال بات جزءاً من أسئلة أساسية مستمرة في الحياة المصرية، وهل يمكن أن تنشط الأحزاب في ظل ازماتها المرجح استمراريتها وتفاقمها، لعديد الأسباب ويمكن رصد بعضها في أن الأحزاب المصرية نشأت تاريخياً كجزء من الهندسة السياسية للنظام شبه الليبرالي، ولتنظيم التنافس السياسي، والتوازن بين المصالح لطبقتي كبار ملاك الأراضي الزراعية، وشبه الرأسمالية. كان حزب الوفد ذو جذور شعبية، وقيادة من الطبقة السياسية الحاكمة لأنه كان تعبيراً عن التطلع الوطني نحو تحقيق الاستقلال وسيادة الدستور وحماية الحريات العامة والشخصية، والوحدة الوطنية بين المصريين أياً كانت انتماءاتهم الدينية كتعبير عن ثورة 1919. مع نهاية الأربعينيات بدأ وهج الوفد في التبدد مع سيطرة كبار الملاك والرأسماليين، وضعف دور الطبقة الوسطى، والأقباط وخروج بعضهم من الحزب. ثم يأتينا سبب آخر أي عدم قدرة الأحزاب على مواجهة مشكلات الفقر، واتساع الهوة الطبقية بين مجتمع النصف في المائة والغالبية الشعبية. لقد كان الإدراك السياسي السلبي للضباط الأحرار إزاء الظاهرة الحزبية والطبقة السياسية القديمة، إدراك أدى إلى تصفية أركانها ورموزها من خلال قانون الغدر والمحاكمات لبعضهم، ثم إلغاء الأحزاب السياسية. كما أن تجربة التعددية الحزبية الثانية، كانت شكلية ومقيدة، وتحت سيطرة الحزب السياسي الحاكم من حزب مصر إلى الوطني الديمقراطي- وكان تشكيل البرلمان، يتم تحديده سلفاً. لقد تأسست أحزاب فوقية بلا قواعد جماهيرية في الريف والحضر، وتفتقر للرؤى والبرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المدروسة من الناحية العلمية ومن ثم تحولت إلى أحزاب مقار بلا حركة قاعدية في أوساط اجتماعية تعبر عن مصالحها. ولعبت الصراعات الداخلية بين بعض قادة الأحزاب، لاسيما في ظل سيطرة بعض رجال المال والأعمال، من خلال تمويلهم لها ولجرائدها، وللمعارك الانتخابية الموسمية، في ظل افتقاد بعض قادة الأحزاب للتكوين السياسي، والمهارات والأخيلة والكفاءة السياسية. بعد 25 يناير ظهر الانكشاف الكامل لضعف وهشاشة الأحزاب، وهامشية دورها في الانتفاضة الثورية، في ظل سياسة الشارع وحركة الكتل الجماهيرية التي تتحرك بلا رأس، وتراجع دور رجال الأحزاب لصالح النشطاء السياسيين، وهيمنة قادة الجماعات الإسلامية السياسية من الإخوان والسلفيين .. الخ على المجال العام السياسي الذي تم تديينه لصالحهم، والظاهرة الحزبية تتآكل في إطار عمليات التشظي، والتطورات العولمية، وبروز نظام الشبكات، وتحول المجال العام الافتراضي إلى ساحة للحريات بلا حدود، والتعبئة والمساندة والمناصرة، وبلورة المصالح الاجتماعية والثقافية والعرقية واللغوية والقومية.. الخ، وفرضها من خلال التأثير على الواقع الفعلي. من هنا لم تعد الأحزاب تحتكر تجميع وتمثيل المصالح والتعبير عنها لدى أجيال شابة، وجماعات مختلفة. في الحالة المصرية الأطر الدستورية والقانونية والسياسية والأمنية وأجهزة الدولة، عادت إلى مألوف مواريثها وتقاليدها، ومن ثم إلى التعبئة والميل إلى توظيف الظاهرة الحزبية في هندسة عمليات إدارة مرحلة الانتقال الثالثة. من ثم المرجح أن الانتخابات البرلمانية ستشهد حالة من اللا سياسة، ودور متعاظم لرأس المال ورجالاته، وللقوى التقليدية في الأرياف، وبعض محترفي اللعبة الانتخابية. من ثم لن يكون البرلمان تعبيراً عن التعدد السياسي والاجتماعي، وإنما عن تجمع مصالح، أكثر منه تجمع للطيف السياسي، والاجتماعي.