×
محافظة مكة المكرمة

المملكة تنجح في استصدار قرار أممي يدين كيمياوي النظام السوري

صورة الخبر

وصلتني قصته عبر البريد الإلكتروني في أحد الأيام العصيبة التي كانت تمر علي أثناء ساعات العمل، لتعبر على الفور عن شيء من مشاعري وما يختلج في صدري ذلك الصباح الذي لم تتضح ملامحه، ولفت نظري حدة تشخيصه حين قال: (والمؤسف أن العمل لا يوجد به ميكانيزم لفضح الشذوذ الإداري لدى البعض – أقول بعض – المديرين ! فهي تُعين الشخص مديرا ثم لا ترى سوى ابتسامته المصطنعة وكلامه المعسول في اللجنة الإدارية بينما يستمتع – بعيدا عن أعينهم طبعا – بسحل موظفيه بكل سادية! وإذا بلغ السيل الزبى وافتضح أمره ولم تكن لديه واسطة، يقومون بنقله إلى إدارة أقل أهمية .. أي يظل قياديا مع الأسف! وكأننا في جمعية خيرية). قرأت المقطع مرارا وتكراراً لأضحك في كل مرة، شعرت بعدها بكثير من الراحة، ومع أن كلمات القصة من النوع الواقعي والمؤلم، إلا أنني أدركت أن هناك إنسانا واحدا على الأقل قد يصدق في وصف حقيقة العمل في هذا الزمن دون نفاق أو تزلف. في 2008 أصيب الأستاذ حمد العيسي بجلطة أصابته بشلل نصفي، ليسافر بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، والجلطة الدماغية عادة تعتمد فيها سرعة الشفاء على سرعة بدء العلاج وتطوره، حيث يتعرض 35% من المرضى لاحتمال إصابتهم بجلطة أخرى تتبع الأولى بنسبة أخف، وعدد قليل من المصابين لا تتأثر ذاكرتهم بشكل كامل، بل يتعافون ويستعيدون النطق والمشي والحركة بشرط إخضاعهم لعلاج تأهيلي متقدم، ويبدو من خلال التفاصيل التي ذُكرت في مقدمات كتبه، أن العيسى ترجم في نفس السنة كتابه الرابع قضايا أدبية (نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية) حيث تعد ترجمته الأولى بعد الأزمة الصحية، حيث اعتبرها من أفضل ترجماته من ناحية جودة وندرة المضمون، وهذا يعني أنه استمتع كثيرا أثناء عمله على ذلك الكتاب، وتقريبا في نهاية نفس السنة وصلتني ترجمته الجديدة (عقل غير هادئ) الذي كان بالنسبة لي كقارئة المقياس الحقيقي على عودته للساحة الأدبية مع العلم أنه كان لا يزال تحت العلاج في ذلك الوقت، لأكتشف بعد أن أنهيت الكتاب أنه تجاوز مرحلة النقاهة إلى جنون الإبداع، حيث تناول في ترجمته التعريف بالأمراض النفسية المنتشرة في كثير من المجتمعات وحساسيتها لدى عدد لا يستهان به من البشر، التي عادة لا يعترف بها الإنسان المصاب بسهولة، وأحسست من خلال تلك الأسطر الدقيقة بأنه تعدى مرحلة كبيرة من العلاج حين ترجم هذا الكتاب المهم والفريد من نوعه، الذي يشرح بالتفصيل الأعراض التي تلتبس حتى على المعالج النفسي بين حالات الهوس الاكتئابي وثنائية القطبين وأمراض أخرى، ولا أنكر أن نوعية الاكتئاب التي ذكرها في أكثر من مناسبة أثارت فضولي، فبعد (عقل غير هادئ)، أكاد أجزم أن العيسى ترجمه أثناء ما أسميته (نوبة اكتئاب إبداعية)، وعلى الرغم من صراعه في ذلك الوقت مع المرض، إلا أنه لم ينس أن يُهدي في مقدمة كتابه كلمة محبة وتقدير وعرفان لأشخاص قدموا له المساعدة أثناء أزمته الصحية، وذلك حين سهلوا له إجراءات علاجه في الخارج، في لفتة وفاء وإخلاص توج بها أغلب مقدمات كتبه وتراجمه، في آخر عمل قرأته له (ضد النساء .. نهاية الرجال وقضايا جندرية أخرى) سطر في الهوامش حسه النقدي الساخر الذي يستفزك ويجبرك أحيانا أن تتفق معه وأنت في الأصل لا ترغب في ذلك، فلم يكشف فقط في ترجمته تفاصيل (الوجه القبيح لجولدا مائير) التي ربما لا يعرفها كثيرون، بل كشف كعادة أغلب الرجال عن نزعته الذكورية حين رسم ببراعة تفاصيل قصة (موت الساحرة البحرية الشريرة كابتن هولي جراف) قائدة المدمرة الأمريكية (يو إس ونستون تشرشل)، التي حين جنحت عن مسارها واصطدمت برصيف الميناء، ابتهج البحارة بشماتة، لأن تلك الحادثة تعد نهاية القائدة مهنياً، ليفتح ذلك مجالا للشك عندي بأنه ربما يكون البحارة قد تسببوا في تدبير تلك الحادثة، التي نتج عنها إعفاؤها بعد سنتين من الخدمة، بسبب قسوتها في الإدارة وسوء معاملتها طاقمها، مع العلم أن عددا كبيرا من القادة الرجال يعتبرون أسوأ منها في الإدارة وأشد قسوة على موظفيهم.. إلا أن الكابتن جراف كانت امرأة فمن الطبيعي أن يكون مصيرها.. أشد العقاب! نزع الساعة من معصمه حين خرج يمارس الرياضة في أحد الأيام، حتى لا يعلم كم من الوقت بقي على بداية (أسبوع رديء آخر)، ولكن لم يكن يتوقع أن ذلك الأسبوع الرديء سيكون سببا في صدور كل تلك النصوص الأدبية والتراجم المميزة التي طُبعت بنكهة.. حمد العيسى.