منذ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين عام 1948 عرف العالم فلسطين قضية وليست دولة، واستمر الشعب الفلسطيني ستين عاما يناضل بالدم والحيلة كي لا يخسر القضية، حق الفلسطيني في أرضه هو فقط من جعل قضيته تصمد كل هذه الأعوام، واعترف العالم بقضيته، ولم يعترف بدولته الا بشكل محدود، اعتراف بقضية شعب وليس اعترافا بدولة لها قضية، من هذا الفهم اصبح وجود الانسان الفلسطيني هو من يحدد قضية دولته، فتجد لهذا الانسان مكاناَ في المعتقلات الاسرائيلية كخارج عن النظام، ومخرب مكانه السجن أو الابعاد، او لاجئاً وهنا تكون قضيته مع مكاتب الامم المتحدة وليس مع اسرائيل مباشرة، وإما أن يكون مواطنا اسرائيليا يحسب نضاله لقضية فلسطين ودولة اسرائيل، يناضل للحصول على الخدمات المعيشية كمواطن في اسرائيل، وإما أن يكون مواطن قضية يعيش في منطقة الحكم الذاتي يفاوض على بقاء قضيته بحالة ساخنة كي لا يخسر بقاءه كمواطن يعيش داخل قضيته، يبقى المواطن المجاهد وهذا له أكثر من انتماء واكثر من حساب، يثور لقضيته مرة ويثور لحساب إيران مرة، وحساب سورية مرة وحساب اسرائيل مرة. وزير الخارجية الامريكي تنقل في اكثر من عاصمة عربية يدعو للمفاوضات بين حكومة اسرائيل وحكومة القضية الفلسطينية، على اعتبار انها رأس القضايا في المنطقة وتجميد المفاوضات حولها سوف يزيد من تعقيدها في المستقبل على اعتبار أن تحريكها عمل جاد يهدف لوضع اساس متين لعملية السلام.. المفاوض الاسرائيلي يعرف ان قضية فلسطين معه تتركز حول الانسان لا على الارض فبدأ بالحديث عن اطلاق سراح المعتقلين كبادرة طيبة تعبر عن سلامة نواياه، ولم يبدأ هذا المفاوض الذكي بتجميد المستوطنات على الرغم من وجود قرارات دولية تدعم تجميدها، ولن يفعل ذلك المفاوض الاسرائيلي لانه ان فعل وجمد بناء المستوطنات فذلك يكون اعترافا بحق الفلسطيني بالأرض، فقضية فلسطين عند المفاوض الاسرائيلي قضية انسان وليس قضية أرض، فهذا الانسان قد تُحل قضيته بوجود أرض له بالدول المجاورة، أو البقاء في أرضه المحتلة ولكن بشروط اسرائيلية. العودة للمفاوضات عودة لتأجير ملف المفاوضات لأكثر من شخص وشركة ودولة، وهو تأجير ملفات لا أكثر: ملف المعتقلين وملف العناصر الإرهابية وملف الاستيطان وملف اللاجئين، وكل ملف له ثمن، ترتفع قيمته وتهبط - مثل اسعار بورصة الاسهم - حسب قوة المضاربين وليس حسب السعر العادل للسهم. وفي النهاية يعلق أمر البيع والشراء لتاريخ يحدد لاحقا. اسرائيل تريد أن تبدأ المفاوضات من نقطة الصفر، وهذا يعني أن اراضي جديدة دخلت تحت سيادتها لن تدخل في المفاوضات الصفرية، وكل ما هنالك سيكون تفاوضا على حرية سجين وسماح لدخول الخبز والغاز للشعب الفلسطيني. إن قبول المفاوضات أمر منطقي، ولكن أن يكون هناك حل في نهاية المطاف فذاك أمر غير واقعي، ولو أراد الراعي الأمريكي الحل لدعا لبداية المفاوضات من نهاية التفاهمات السابقة، الاتفاق على مبدأ قيام دولتين متجاورتين تتمتعان بالأمن والسيادة، وذلك وعد أمريكي لم يتم الوفاء به، فقد كان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن حدد أن آخر موعد لقيام دولة فلسطينية مستقلة هو عام 2005، فبعد مرور 8 أعوام على التعهد الأمريكي الذي لم يتحقق، فمن أين يمكن أن تكون بداية المفاوضات من الإنسان أو الأرض؟ إن كان من الإنسان مثل ما تعمل إسرائيل اليوم، فهذا الإنسان لم يكن مخربا حسب الوصف الإسرائيلي، وإرهابيا إلا بسبب كفاحه لاسترجاع أرضه المحتلة، والارض قضية ليست مطروحة على مائدة المفاوض الاسرائيلي، فالتفاوض سيكون حول الانسان الفلسطيني - هو فقط - الذي تريد إسرائيل ان تتفاوض حول مصيره، هل تعتقله أم ترحله أم يبقى لاجئاً في منزله؟!