تعقد الحكومة العراقية اليوم اجتماعا استثنائيا لمناقشة الخطط والإجراءات التي تنوي اتخاذها على خلفية مظاهرات الجمعة الماضي في بغداد وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية التي شارك فيها عشرات الآلاف للاحتجاج على سوء الخدمات. وقال مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي في بيان إن «الاجتماع سيشهد تدارس توصيات خلية الأزمة ومقررات الاجتماع الذي ترأسه العبادي يوم (أول من) أمس (الجمعة) بشأن الإصلاح في مؤسسات الدولة». وكان العبادي أعلن التزامه بتوجيهات مرجعية النجف، متعهدًا بالإعلان عن خطة شاملة للإصلاح والعمل على تنفيذها، داعيا القوى السياسية إلى التعاون معه في تنفيذ برنامج الإصلاح، ومؤكدا أنه سيتخذ إجراءات دستورية للتصدي للفساد والمفسدين. في الوقت نفسه، أعلن رئيس البرلمان سليم الجبوري أن «البرلمان سيخصص الجلسة المقبلة لبحث مطالب المتظاهرين، وتنفيذها بسقوف زمنية محددة»، مؤكدا أن «البرلمان سيستجوب أي مسوؤل يقرر المتظاهرين استجوابه لأن الشعب هو مصدر السلطات وتوجيهات المرجعية الدينية». من جهته، أشاد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بسلمية المظاهرات، داعيا في بيان السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى بذل قصارى جهدهما للاستجابة إلى مطالب المتظاهرين المشروعة وتنفيذ الإجراءات الكفيلة بحلول سريعة لمشكلاتهم الخدمية والاقتصادية. وأشار معصوم إلى «ضرورة قيام الحكومة باتخاذ قرارات جريئة وحازمة في مكافحة الفساد والبطالة والعوز، والشروع بمعالجات حقيقية وسريعة وفعالة تخدم فئات السكان المحدودة الدخل، وتصلح سلم الرواتب وتوفر العدالة الاجتماعية وفرص الحياة الكريمة لكل العراقيين». وفي هذا السياق، أكد الدكتور مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «العبادي يقوم الآن بعقد سلسلة من الاجتماعات مع الخبراء وأصحاب الرأي في الميادين المختلفة، لا سيما الميادين الاقتصادية والخدمية، وبدأت تتبلور أفكار وخطط سيتم الشروع بتنفيذها في غضون الأيام المقبلة، سواء على صعيد محاربة الفساد أو الإسراع في تقديم الخدمات إلى المواطنين»، مبينا أن «رئيس الوزراء وبقدر ما بات يشعر بأنه مدعوم بالكامل، سواء من قبل الشعب عبر المظاهرات الضخمة التي أعطته الضوء الأخضر في إحداث أي تغيير أو من قبل المرجعية الدينية، فإنه يريد أيضا أن يحصل على دعم الحكومة والبرلمان والمعنيين من أجل أن تحصل إجراءات سريعة وفاعلة مع المحافظة على النظام الديمقراطي». وردا على سؤال عما إذا كانت هناك قيود لدى أطراف في الطبقة السياسية تقيد العبادي في حركته رغم التأييد الجماهيري الكاسح، بالإضافة إلى موقف المرجعية الذي بات محسوما لصالحه في حال أقدم على خطوات جريئة، قال صالح إن «لدى الرجل الرغبة والإرادة في التغيير وسيعمل على استثمار هذا التأييد، لكنه الآن في مرحلة سماع كل الآراء من كل الأطراف، بحيث تتواصل الاجتماعات واللقاءات ليل نهار، وبالتالي نتوقع حصول تغييرات ستكون هامة». غير أن موقف السياسي والمفكر الاقتصادي العراقي المعروف مهدي الحافظ، وزير التخطيط الأسبق ورئيس كتلة ائتلاف العراق في البرلمان، يختلف عن موقف المستشار الاقتصادي للعبادي؛ ففي حديث لـ«الشرق الأوسط» قال الحافظ: «العراق اليوم في لحظة تحول تاريخي، وبالتالي هناك فرصة سانحة لتغيير أنماط الحكم ومراجعة الدستور بشكل جذري، لا سيما أن البرلمان بات عاجزا تماما؛ لأنه أسير عملية التوافق الطائفي، وبالتالي فقد أصبح عقبة رئيسية بوجه أي عملية إصلاح». ودعا الحافظ إلى «إجراء عملية تغيير جذري وفوري في أصل النظام السياسي الحالي الفاشل في العراق من خلال تغيير الحكومة بالكامل بقرار من رئيسها الحالي (حيدر العبادي) إذا أراد هو الإقدام على عمليات تغيير حقيقية، أو اختيار رئيس وزراء آخر يشكل حكومة تكنوقراط لا على أسس طائفية وحزبية؛ لأن البلد لم يعد يتحمل المتاعب التي تحصل اليوم وقوامها الفشل في كل شيء، سواء في مواجهة الفساد أو الإرهاب أو عدم تحقيق الأمن والاستقرار والخدمات». من جهته، أكد زعيم الحزب الشيوعي العراقي، حميد مجيد موسى، لـ«الشرق الأوسط» أن «المطالب التي خرجت بها المظاهرات الجماهيرية واضحة وصريحة وموحدة، فضلا عن سلميتها وعدم قدرة أي طرف على حرف مسارها بأي اتجاه من الاتجاهات، مما يؤكد وحدة الهدف والموقف بصرف النظر عما إذا كان المشاركون فيها علمانيين أو متدينين أو غيرهم». وأضاف موسى أن «الفساد ليس جنيا أو غولا هبط علينا من المريخ، بل هو شخصيات وحكومات وتوجهات ومسؤوليات معروفة، سواء بالنسبة للعبادي نفسه أو للجمهور المتظاهر أو لرجال الدين، وبالتالي فإن الإجراءات لا بد أن تكون واضحة ومحددة ولا لبس فيها، لا سيما أن الجمهور بات يوجه الاتهام وبكل صراحة إلى الطاقم الحاكم نفسه». وأوضح أن «النظام السياسي كله هو الآن في قفص الاتهام، وبالتالي فإنه لا ينبغي النظر إلى مدة عمل هذه الحكومة فقط، بل إلى كل الحكومات السابقة منذ 12 عاما لأنها جميعا تتحمل المسؤولية، بل إن الحكومات السابقة تتحمل الجزء الأكبر من الفشل».