العملية الإرهابية ظهيرة الخميس السادس من أغسطس آب الجاري في مسجد قوات الطوارئ في عسير، مشهد دامٍ مروّع لن تفي معه كلمات الإدانة والمواساة لذوي الضحايا، لكننا اليوم نختط في الميدان المهم والحسّاس الذي نمارسه، للتعرف على خلفيات العمل الإرهابي ودوافع تخطيطه ومن يستثمر فيه. وأول سؤال يتبادر الى القارئ ماذا يعني أن نبحث في مستثمري عمليات داعش الإرهابية وتوقيتها في الجبهة الجنوبية، وهل هذا يعني أن داعش مجرد أداة عارضة لا تستحق المواجهة، ومباشرة التفكير والمراجعة الدقيقة لحركة التوظيف المستمرة لها في مجتمعنا الوطني، ونقول إجابة على ذلك. كلّا. ليس ذلك هو المقصود بل من أولويات مواجهة الحدث وسلسلة عملياته مواجهة اداة التفخيخ المباشر فوراً، والعمل على ابطال عملياتها، والتنسيق الوطني الشامل الذي يحتاج الى رأي المجتمع الرشيد وقادة الفكر والرأي كما هو أداة العدالة الوطنية وكما هو أداة الحصار الأمنية معا، لتحقيق معادلة الأمن الوطني المستقر. كما أنني هنا لا أُنكر أبداً إشكالية الفكر، وتشويه الرؤية التي يتعرض لها عناصر داعش، في تفسير منهج الدين المقدم لهم، والحاجة الضرورية لمناقشات، وتحرير علمي لمواضع الاستثمار، خاصة في سياق نقل مفاهيم التكفير التفجيري، الذي يسيطر على شباب لم يحملوا السلاح ولكن يحملون ارثا مدنيا فقهيا خطيرا، يسهل توجيهه أو تحويله كأرضية لنقل أي عنصر داعشي مدني الى داعشي عسكري يذبح أهله ووطنه وأمته، ويكون مطية للمشروع الإقليمي الدولي الكبير. إن المقصود فيمن وراء استثمار داعش أجسده بمثل عملي. وهو كمزرعة كبيرة تواجه مخاطر محيطة، أُلقي لها فوج صغير مُستَدرج من عصابات طريق، لغّمّت الباب الجنوبي للمزرعة وهي محاطة من الشمال والشرق بقبائل متحدة ضدها، تنتظر أن ينشغل أهل المزرعة بهذا اللغم لتقتحم اسوارها من جهات أخرى. هذا المثال يُجسد وضع أمننا القومي أمام معطيات التغير الإقليمي والدولي، وسبق أن قدمت رابطا بين دعوة المالكي للوصايا الدولية وتلميحه المستمر للمنطقة الشرقية، مستثمرا جرائم داعش كما فعلت أصوات ايرانية أخرى في الخليج العربي، إننا اليوم نعيش قواعد لعبة كبرى بين الإقليم والمركز الدولي، وحين تتأكد رسالة أوباما للرئيس الأسد وشراكة إيران التنفيذية في قاعدة المشروع من حرب داعش، فنحن أمام معادلة يصعب أن تطبق الا على قاعدة كاسبين وخاسرين. ومن الطبيعي ان تتعاطى دول المنطقة كلغة دبلوماسية وسياسية مع مقترحات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، لكن المهمة الوطنية والعربية الدقيقة أن ننظر ماذا يريد جون كيري وما هي رزمة حكاياته في ملف العلاقات العامة، وما هي رؤاه التنفيذية واستراتيجيته المرحلية، وصحيح أن البيت الأبيض وإيران معاً يطرحون داعش كواجهة للحرب الإقليمية الكبرى، لكن السؤال اين ستهزم داعش وأين ستفتح لها بوابات الخروج ومن هي الدول الضحايا التي سيُدفع لها هذا الملف؟ فالرئيس أوباما بنفسه قال إن داعش تحتاج لعشرات السنوات ولن يحل وضعها الموقف العسكري، من سيسدد اذن هذه الحسابات!، ولتتضح الفكرة جليا دعوني أتوقف أمام الحملة الإعلامية الامريكية وتصريحات بعض المسؤولين الغربيين المشككين في شراكة تركيا في الحرب الإقليمية، وأن أنقرة لن تندفع بأكثر من مقدار تحقيق أمنها القومي ولن تعطي الناتو وإيران كل ما يطلبونه، باسم الحرب على داعش، خشية من قرار أو استعداد غربي وايراني لدحرجة داعش على تركيا. هنا تبرز معادلة أمننا القومي في المملكة والخليج بل وكل المشرق العربي، إن داعش عدو مركّب يحمل غلواً ذاتيا ورد فعل لواقع سياسي عربي وطغيان غربي وايراني، تتصارع الدول في دحرجته على بعضها البعض، ولم يتبنوا ولن يتبنوا حلا شاملا له، خاصة أن بعض مسبباته الأصلية هذا البغي الدولي الإقليمي، الذي تهجّنت فيه داعش لهذا المستوى من التوحش، فأصبح العنصر طلقة تفجير في جسد أهله. وعليه فإن مهمتنا الدقيقة هي عدم السماح لتلك الترويكا لدحرجة داعش علينا، ولا استثمارها فينا، والتعاون مع ذوي المصالح المشتركة في مواجهة بغيها، وتأمين ودعم القوة القادرة على تحييدها في أرضها وهي اليوم الثورة السورية وقيادتها الميدانية المعتدلة، ومواصلة قرار تأمين اليمن من وكلاء إيران وتحويلها كأرض خصبة لداعش متنقلة تضرب في داخل حدودنا. وهي رزمة من مهام ذكية ودقيقة لن يستطيع الخصوم، أن يحققوا اختراقهم فيها، مع تحصين البناء الداخلي، وسيأتي يوم يسقط فيه هذا التنظيم ويتشظّى، وهي مرحلة زمنية دقيقة لكن ضبط ميدان المعركة وثباتنا لتقديم مصالحنا لا مصالح واشنطن وطهران، سيكون بوابة العبور بعون الله للنجاة وقيادة الإقليم أمام معركة اللعبة الكبرى.