هذه الغرفة الواسعة هي المعدة ويسميها العرب ببيت الداء لأنها تشكل مصدر الصحة والمرض فكلما اعتنينا بها وبما يدخلها كلما حافظنا على صحتنا وكلما أهملناها كلما زادت الأمراض التي تعرفونها فغالبها مرتبط بالغذاء. تتركب المعدة من عدة طبقات إحداها طبقة عضلية ضعيفة نسبياً لكونها مكونة من عضلات ملساء تمكن المعدة من التمدد لتتسع إلى 20 ليتراً من الأغذية، ولكن مع تكرار تناول كميات أكثر وأكثر من الأغذية فإن العضلات تلك لا تقوى على المقاومة والشد فتتمدد أكثر فيحتاج الشخص أن يتناول غذاء أكثر لكي يصل لامتلاء المعدة والشبع وهكذا تتوسع أكثر مما يؤدي لتكون الكرش والسمنة وصعوبة فقد الوزن ببساطة. الطبقة الداخلية للمعدة متموجة أي أن مساحتها أكثر بكثير من مساحة الطبقات الأخرى لكي تعطي فرصة أكبر لتقليب الطعام ووصول العصارات الهاضمة والحمض لكل أجزاء الطعام. بعد دخول الطعام للمعدة تبدأ عملية كيميائية رئيسية حيث يخلط الطعام بحمض عالي الحموضة وهو حمض الهيدروكوريك وحموضته أكثر من حموضة ماء بطارية السيارات أي يمكنه إذابة كل شيء تقريباً وتقوم عضلات المعدة بتقليب الطعام ليتعرض أكثر للحمض وللعصارات الهاضمة والإنزيمات، ويفرز هذا الحمض من خلايا تحت طبقات المعدة والغريب أن تلك الغدد تفرزه ولا يضرها لأنها تفرزه بشكل غير نشط وبوصوله للسطح أي داخل المعدة يتحول لحمض نشط، وتقوم مادة مخاطية خاصة بدهن الجزء الداخلي للمعدة بشكل مستمر لتكون طبقة عازلة تمنع وصول الحمض والإنزيمات الهاضمة للحم المعدة ولو وصل الحمض بسبب ضعف تلك الطبقة أو اختفاء بقعة صغيرة منها لأي سبب فإن ذلك يؤدي إلى التهاب المعدة وربما قرحة المعدة المعروفة بل أحياناً قد يسبب ثقبا بالمعدة مع طول الوقت، فتخيل إضافة حمض بطارية على الجلد كيف ستكون النتيجة. من الأشياء العجيبة في المعدة أنها تفرز إنزيما يهضم البروتينات كاللحوم مثلاً يسمى (الببسين) ولا يستطيع الوصول للحم المعدة بسبب تلك المادة المخاطية العازلة ويفرز من غدد داخل طبقات المعدة في صورة غير نشطة تسمى (الببسينوجين) لكيلا يهضم تلك الخلايا نفسها، وبمجرد وصوله للسطح الداخلي للمعدة يتفاعل مع حمض الهيدروكوريك ويتحول إلى إنزيم نشط جاهز لهضم كل البروتينات بشكل مبدئي. الغريب أن الإنزيمات هي بروتينات معقدة في الأصل ومع هذا تهضم البروتينات فسبحان الخالق. في المعدة تستمر عملية هضم الكربوهيدات المعقدة وتحوله لسكريات ثنائية أو أحادية جاهزة للامتصاص في الأمعاء وأيضاً يبدأ هضم البروتينات والدهون من خلال إنزيمات متخصصة لكل منها، كما تقوم المعدة بقتل كل أو أغلب الميكروبات التي دخلت مع الغذاء، وفي نفس الوقت يتم إرسال رسائل للمناطق التالية وهي الاثنى عشر والكبد والأمعاء الدقيقة وتقرير مفصل عن تركيب الغذاء الذي سيصلهم بعد قليل من حيث نسبة الدهون والبروتينات والكربوهيدات ليتم تجهز المواد الهاضمة له بمجرد خروجه من المعدة. هناك شيء عجيب لم نعرف تفاصيله إلى الآن، ان الطعام إذا وصل للمعدة فإن المعدة ترسل رسالة لمركز الشبع في المخ تخبره بوصول الطعام ولكن هذه الرسالة تحتاج إلى حوالي 17 دقيقة ولا نعرف سبب تأخر وصولها، ولهذا الأشخاص الذين يتناولون الطعام بسرعة لا يشعرون بالشبع وقتها فيأكلون أكثر مما يحتاجون ويشعرون بالامتلاء الشديد المزعج بعد انتهائهم من الطعام ويشعرون بتأنيب الضمير على الإكثار غير المبرر وربما عاهدوا أنفسهم ألا يكرروا هذا الخطأ مرة أخرى إلا أنهم يكررونه للأسف وهذا أحد أهم أسباب زيادة الوزن والسمنة، فالمضغ الجيد وعدم السرعة تعطي فرصة لوصول الرسالة والإحساس بالشبع وبالتالي التوقف عن تناول الطعام فيكون الجسم مرتاحاً والغذاء كافياً ولا تحدث السمنة غالباً. يمكث الطعام في المعدة حوالي 4-6 ساعات ويكون الطعام الآن على هيئة سائل غليظ يسمى (الكيموس)، وتعتمد مدة مكوث الغذاء في المعدة على كمية الطعام في الوجبة المتناولة وكذلك وجود طعام سابق في المعدة لم يتم الانتهاء منه بمعنى دخول طعام جديد قبل أقل من 4 ساعات من دخول الطعام السابق له مفاسد صحية كثيرة أكثر من مجرد تأخير عملية الهضم وإرباكها حيث يختلط الغذاء الجاهز للإرسال للأمعاء مع غذاء جديد لم يهضم بعد، ووصول جزء من الطعام الجديد غير المهضوم للأمعاء له تأثيرات سيئة جداً تظهر على البشرة والصحة بعامة، فبعض الأشخاص يشكون من مشاكل في البشرة وبثور وتشققات في الشفاه وحموضة في المعدة وتلبك وتخمة وربما إسهال، والسبب هو دخول الطعام على الطعام. أنصح بتنظيم الوجبات وعدم التساهل أبداً في الاستجابة لتناول غذاء جديد مهما كان قبل أقل من خمس ساعات ماعدا الماء وبعض السوائل. دعونا نكتفي بهذا وننتقل للمحطة القادمة في العدد القادم بمشيئة الله.