كتب - هيثم القباني: لم يكن يخطط لدراسة القانون ولم يكن لديه وهو في الثانوية العامة أي فكرة عن هذا المجال، إلا أن زملاءه سحبوا أوراق تقدمه إلى كلية الدراسات الإسلامية في مصر، ليعرف حينها بالصدفة أن ثمة تخصص شريعة وقانون بجامعة الإمارات، فذهب للإمارات، كما أنه لم يفكر في العمل بمجال القانون.. يدين بالكثير ويعترف بفضل أخته التي تكبره والتي كانت تعتني به وبدروسه خلال فترة التنشئة، حيث كان لها أبلغ الأثر في حياته التعليمية كلها وتفوقه بعد ذلك.. حصل على ليسانس الشريعة والقانون وتدرّج في السلّم الوظيفي في القضاء لمدة 18 عاماً حتى وصل إلى منصب نائب رئيس محكمة الاستئناف، ثم غادر القضاء لينهل من مهنة المحاماة ليصبح من أشهر المحامين القطريين.. ولد عام 1962 وبعد أن حصل على شهادة الثانوية عام 1981 التحق بجامعة الإمارات وحصل على ليسانس الشريعة والقانون عام 1985، ثم عيّن باحثاً شرعياً برئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية في العام نفسه قبل أن يعمل كمساعد قضائي لمدة ثلاث سنوات لتأهيله لمنصب قاضٍ، وتولى منصب قاض ثم التحق برئاسة المحاكم العدلية ليتدرّج في السلم الوظيفي حتى بلغ منصب نائب رئيس محكمة الاستئناف، ليترك القضاء الجالس بعدها ويقصد القضاء الواقف ألا وهي مهنة المحاماة في 2004.. إنه المحامي جمال النعمة، التقيناه وتحدّثنا معه عن حياته وما رآه في أروقة المحاكم وكذلك في مهنة المحاماة وكان الحوار التالي: > في البداية.. لماذا كان اختياركم لدراسة الشريعة والقانون؟ - حصلت على شهادة الثانوية العامة بتقدير 84%، ويُعد معدلاً عاليًا للغاية في حينه، لكن في الوقت ذاته لم يكن هناك تخطيط مسبق لدراسة القانون، حتى أن زملائي سحبوا أوراق تقدّم لي بكلية الدراسات الإسلامية بمصر، ثم عرفت صدفة أن ثمّة تخصص شريعة وقانون بجامعة الإمارات، فضلاً عن قرب المسافة من الدوحة وأنني سأحصل على شهادة في القانون وأخرى في الشريعة، ما حفزني للذهاب إلى الإمارات لأحصل على الليسانس بعدها في 1985 بتقدير جيد جداً.. فلم يكن لديّ تصور معيّن وأنا في الثانوية العامة لطبيعة الدراسة إلا وقتها، وكذلك مجال العمل لم أفكر فيه إلا في وقته. > من كان له الدور الأبرز خلال مسيرتك التعليمية؟ - أختي التي تكبرني، حيث كانت تعتني بي وبدروسي خلال فترة التنشئة حيث كان لها أبلغ الأثر في حياتي التعليمية كلها وتفوقي بعد ذلك، فالمرحلة الأساسية والتأسيسة بالتأكيد هي التي يبني عليها الطالب حياته التعليمية بعد ذلك، ثم الاعتماد الذاتي في المرحلة الإعدادية والثانوية، في ظل غياب الدروس الخصوصية وقتها، فضلاً عن أن المقرّرات كانت طويلة والاختبارات تكون في نهاية العمل خصوصاً وأنني خرّيج المعهد الديني بالأساس، فكان حملاً وعبئًا ثقيلاً في الحقيقة. > وماذا عن الحياة الوظيفية؟ - بدأت حياتي العملية كباحث شرعي برئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، ثم أتيحت الفرصة لي في رئاسة المحاكم العدلية كمساعد قضائي لتأهيلي كقاضٍ، ثم ترقيت في السلم الوظيفي حتى أصبحت قاضياً ثم انتقلت بعدها إلى محكمة الاستئناف. > وما مدى المسؤولية التي تحمّلتها في مسيرتك العملية كقاض؟ - بصراحة مسؤوليات جسام، فالقاضي يتطلب منه أن يُمسك الميزان من المنتصف بحيادية وشفافية كاملة، فالمهنة مهنة علم في المقام الأول، فكلما زاد المخزون العلمي للقاضي أصبح الأمر يسيراً أمامه، ومن خلاله يستنير طريقه ليفتح أمامه الآفاق بدون أخطاء، لأن القانون نفسه نظم له كل شيء حتى لا يخطئ. > وماذ عن سمات القاضي الناجح؟ - الحكمة.. حيث يقصد بها الوسط، لا ليّن فينزلق ولا شده فينكسر، حتى يتمكن القاضي من إدارة الجلسة، فعلى القاضي أن يدرك متى يقتضي الشدة ومتى يقتضي اللين وليس المقصود التراخي. > على مدار حياتك مرّت عليك مواقف لا تنسى.. ما أهمها؟ - نعم، في بداية حياتي العملية وأنا أعمل كمساعد قضائي تحت التدريب حدث موقف لا أنساه مطلقاً، ذات مرة كانت هناك دعوى من أحد الأشخاص يطالب فيها أحد البنوك بمبلغ 20 ريالاً، واستغرقت الدعوى جلسات عدة تخللها دفاع وسجال ومرافعات، وبعد كل تلك الفترة في إحدى الجلسات قام وكيل البنك بنفسه بعدما استشعر أن الأمر لا جدوى منه، قام أثناء المرافعة باستخراج 20 ريالاً من جيبه وأعطاها لصاحب الدعوى. > وماذا عن أكثر القضايا والدعاوى في المحاكم والتي تجهد القاضي؟ - واجهت على مدار 18 سنة في القضاء دعاوى متنوعة، لكن القضايا الأسرية كانت بحق الأشرس والأكثر إزعاجاً ومعاناة للقاضي، لأنها دعاوى ترتبط بالخصوصية، ما يجعل هناك سجال كبير بين طرفي النزاع ويضطر كل منهما إلى فتح الملفات، لكن المرأة على وجه الخصوص أكثر شراسة من الرجل في هذا الصدد حيث تكشف كثيراً عن خصوصية الأسرة بطريقة فجة، فالخصوصيات تتفجر في أروقة المحاكم بطريقة شرسة، والقاضي يكون أحرص ما يكون على الحفاظ على كينونة الأسرة، ويعطون الفرصة للطرفين لكن إذا وصل الأمر إلى طريق مسدود فلا حل غير تدخل القاضي. > وهل واجهت دعوى أسرية لا تنساها؟ - نعم.. كانت هناك دعوى بين زوج وزوجته وصار خلاف بينهما وتم طرح مبادرة بالصلح بالمودة والرحمة ورفع دعوى بيت الطاعة بعد أن ذهبت إلى بيت أهلها، لكنها تمنّعت، فاضطر لتهديدها بالزواج الثاني، لكنها لم تبال، فقام الرجل بتنفيذ ما هدّد به وتزوج، فعادت المرأة لتندم على ما صنعت وطالبت بالعودة إلى زوجها، فكانت امرأة شديدة لكنها انكسرت بسبب زواج زوجها عليها. > وما الذي دعاك لترك منصّة القضاء لتصبح الطرف الآخر كمحام؟ - ثمّة اتجاه في الحياة، فالإنسان عبارة عن محطات، والمحاماة العدالة الواقفة، والقضاء العدالة الجالسة، وكلاهما يصبان في نهر العدالة، كما أن مهنة القضاء لها حدود معيّنة ومحصورة في إطار معيّن، على عكس مهنة المحاماة تفتح الآفاق حتى فيما يخص العلاقات الشخصية، فالقاضي ينبغي عليه أن يكون حريصاً في كل تصرّفاته وعلاقاته الشخصية والتقيّد بضوابط معيّنة على عكس المحامي الذي ينبغي عليه أن يحتك بجميع الشرائح والطوائف مكوناً شبكة علاقات كبيرة. > وكيف وجدت الفرق بين القاضي والمحامي؟ - يعتبر المحامي هو نفسه ورشة عمل ويصنع القضية من البداية، لكن القاضي يتلقف القضية وهي مصنوعة، فالمحامي عليه جهد وتعب حتى يصل بالخصم إلى بر الأمان. > هل ثمة قضية كان للحكم صدى جديد من نوعه؟ - بنك يطالب عميلاً بفوائد مركبة، أول درجة استجابت لادعاء البنك وحكمت بالفائدة لكن الاستئناف حكمت بمبلغ مقدّر بما يتوافق مع الدستور والقانون، فطعن البنك في محكمة التمييز لكن المحكمة أيّدت محكمة التنفيذ، والقضية تتميز بأنه حكم جديد من نوعه لا، الموضوع يتعلق بتعويض جابر للضرر مقدّر وليس إثراء بلا سبب. > وما التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع وعلاقته بالقانون؟ الجهل بالقانون هو المشكلة الحقيقية، فالوعي القانوني غير كبير، وهو ما يتطلب معه متابعة القوانين المختلفة عن طريق وسائل الإعلام أو الشبكة العنكبوتية لأن الجهل بالقانون لا يعفي من المسؤولية.