حذر الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، من خطورة زواج الشباب المسلم المهاجر إلى الغرب من الأجنبيات من دون الاهتمام بالضوابط الشرعية، ما يجعله يفقد هو وأولاده دينهم، وطالب الجامعات الإسلامية بالاهتمام بتعليم طلابها مختلف اللغات العالمية لتبليغ رسالة الإسلام إلى العالم، والرد على الطاعنين فيه بلغاتهم، وهاجم من يرون الاقتصار على تعلم العلوم الشرعية والعربية فقط، واعتبار تعلم اللغات نوعاً من الرفاهية، ما يؤكد جهل هؤلاء بتعاليم الدين، رغم أنهم يدعون أنهم من دعاته، وحذر من تمكن الأمراض النفسية وخاصة الإحباط من أبناء المسلمين في مرحلة الضعف الحضاري الذي تعيشه الأمة الآن. وهذا نص حوارنا معه خلال زيارته الأخيرة للقاهرة للمشاركة في مؤتمر إسلامي.. } تعد دول المغرب العربي من أكثر الدول العربية التي يهاجر شبابها إلى الخارج.. كيف تنظرون إلى هذه الهجرة وما وصاياكم للشباب المهاجر؟ لاشك أن السعي في طلب الرزق الحلال مطلب شرعي لقوله تعالى: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور.. ولهذا فإن الإسلام يطالب المهاجر في سبيل طلب الرزق أن يحاول جاهداً المحافظة على دينه، والبعد عن المفاتن والمحرمات ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. أغراض دنيوية } لكن هذه الهجرة للشباب المسلم قد تكون من أجل أغراض دنيوية غير طلب الرزق الحلال؟ - في هذه الحالة فإن حسابه عند الله سبحانه وتعالى، ويكون على نيته التي سافر بها إلى بلاد غير المسلمين، وهذه النية لا يعلمها إلّا الله الذي يعلم ما في الإنسان وهدفه من الهجرة، فالله سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن حساب الله لكل إنسان على حسب نيته من الهجرة فقال: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه. } جاء في الحديث السابق أن الرجل قد يهاجر من أجل الزواج من امرأة غير مسلمة.. فما رؤيتكم لمخاطر هذا الزواج؟ الزواج من غير المسلمة سلاح ذو حدين، ويتوقف على شخصية الرجل أو الزوج المسلم، ومدى تأثيره الإيجابي على زوجته أو تأثيرها السلبي عليه، فمثلا إذا استطاع تعريفها بصحيح الدين، والأخذ بيدها إلى الإسلام فهنا يكون الزواج بالأجنبية نعمة، أما إذا تأثر هو بها سلباً كأن تظل على دينها الكتابي، ويترك لها تربية أبنائه، أو يكون في عقيدته ضعف، ويعاني الأمية الدينية فيتأثر سلباً بها حتى أنه قد يترك دينه من أجلها، فهنا يكون الزواج بالأجنبية محنة، ولهذا من الخطأ التعميم في الحكم على هذا الزواج، فمن خلال التجربة نرى نماذج ناجحة جداً وتدخل النساء في الإسلام، أو حتى يبقين على دينهن إلّا أنهن يحترمن الإسلام ولا يجبرن أولادهن على دينهن، أي تتحقق الضوابط الشرعية في هذا الزواج، وهناك نماذج أخرى فاشلة جداً ويصل فيها الأمر إلى أن الزوج وأولاده يتركون الإسلام إلى دين الزوجة أو حتى يكفروا بكل الأديان السماوية ويلحدوا. قضية خلافية } بعض هؤلاء الشباب يتزوجون بالأجنبية من أجل الحصول على الجنسية فقط، ويضمرون في أنفسهم تطليقهن عقب تحقيق مأربهم من الزواج.. فما رؤيتكم لمثل هذه الزيجات المنتشرة بين الشباب العربي المسافر إلى الدول الغربية؟ هذه قضية خلافية بين الفقهاء، فمنهم من يرى أن الزواج صحيح طالما تحققت أركانه وشروطه الشرعية، ولنا الظاهر، والله يتولى الحساب على السرائر، وهناك فريق آخر من العلماء يعترضون عليه، لأنه أشبه ما يكون بالزواج محدد المدة أو المؤقت من جانب الزوج، فيكون أشبه بزواج المتعة المحرم لدى أهل السنة والجماعة، وأنا شخصياً، لا أؤيد مثل هذه الزيجات القائمة على الخداع والمكر وسيطرة المصالح الدنيوية عليه، ولا مكان للدين في مثل هذا الزواج الذي ليس فيه صدق أو نية الاستمرار والتأبيد كما يشترط العلماء، فضلاً عن أنه يسيء إلى الإسلام والمسلمين، حيث يرفع الزوج فيه الشعار الممقوت شرعاً الغاية تبرر الوسيلة، حيث نشترط أن تكون الغاية شريفة والوسيلة نبيلة، وأن تتحقق في الزواج الشروط والمواصفات الشرعية كاملة، حتى يكون مثل هذا الزواج آية من آيات الله، كما وصفه سبحانه: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. الدعاة.. واللغات } من وجهة نظركم.. ما أهمية إجادة الدعاة للغات أجنبية في هذا العصر؟ بفضل الله أولاً وأخيراً ساعدتني إجادتي للغات أجنبية وخاصة الإنجليزية والفرنسية على إلقاء محاضرات في مختلف قارات العالم وبخاصة في القارتين الأمريكية والأوروبية وجامعاتهما ومراكزهما العلمية والثقافية، ما أسهم في التعريف بالإسلام والدفاع عنه، وتفنيد شبهات الطاعنين فيه بلغات الطاعنين أنفسهم، وساعد على تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة عن ديننا الحنيف، ولهذا فإن إجادة اللغات تعد من أقوى أسلحة الداعية المعاصر وخاصة في عصر الفضائيات والسماوات المفتوحة. } ألا ترى أن كثيراً من الجامعات الإسلامية في العالم العربي قصرت في تعليم أبنائها اللغات الأجنبية، ما أفقدهم قوة التواصل مع الآخرين والتأثير فيهم؟ يؤسفني القول إن هذا صحيح، حيث انصب الاهتمام الأكبر لتلك الجامعات الإسلامية على العلوم الشرعية، ويرى المسؤولون عن هذه الجامعات أن تعلم اللغات الأجنبية أمر هامشي لا قيمة له، أو أنه نوع من الرفاهية العلمية التي يرفضها الإسلام، والأولى توجيه الجهد إلى تعلم العلوم الشرعية والعربية، ولهذا فإنني أطالب قيادات الجامعات الإسلامية بتغيير هذه النظرة القاصرة التي لا تتماشى مع روح العصر، بل وتتنافى مع روح الإسلام الذي يحرص على التواصل مع الأمم الأخرى، وإلّا كيف نبلغهم الرسالة العالمية للإسلام في ضوء قوله تعالى: وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين، وقول الله تعالى أيضاً: وما أرسلناك إلّا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ورثة الأنبياء } معنى هذا أنكم تحملون أصحاب هذه النظرة القاصرة في تعلم اللغات الأجنبية مسؤولية جهل الملايين في العالم بالإسلام، ومعاداته أحياناً؟ بالطبع يتحملون جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية باعتبارهم ورثة الأنبياء الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وواجب هؤلاء الورثة تبليغ رسالة الأنبياء إلى العالم كله، فهل نطالب غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بأن يتعلموا العربية ويأتوا إلى بلادنا لنعرفهم الإسلام، أم المطلوب منا أن نتعلم لغات العالم، ونسير إلى كل البشر في العالم لنبلغهم رسالة الإسلام العالمية؟ وقد حرص الإسلام من عهد النبوة على تعلم لغات الآخرين، ورغم أن مقولة من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ليست بحديث نبوي إلّا أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تعلم لغات الأمم الأخرى، كما أن فتوحات المسلمين من المغرب والأندلس غرباً إلى الصين شرقاً تؤكد حرص المسلمين الأوائل على عالمية الإسلام الذي لم يرسله الله للعرب فقط، كما أن حضارة المسلمين الزاهرة التي كانت منارة للبشرية خلال قرون عديدة تواصلت مع الأمم الأخرى وترجمت التراث الإنساني إلى العربية، لأن الإسلام يرفض الانغلاق على النفس وعدم تبليغ الخير والحق إلى البشرية، وكما يقال الإنسان عدو ما يجهل ولهذا فإننا نتحمل أمام الله مسؤولية من يعادون الإسلام جهلاً أو تأثراً بأقوال المستشرقين والمستعربين الذين تعلموا العربية للطعن في الإسلام. هموم الناس } من مؤلفاتكم الإسلام وهموم الناس.. كيف يتعامل الإسلام مع هموم المسلمين في كل العصور وفى كل الأماكن؟ - أفضل ما يقدمه الإسلام للتعامل مع الهموم والمشكلات والأزمات هو زرع الأمل في النفوس، كما أنه يحمل قيماً وأخلاقاً كفيلة بالقضاء على حالة الإحباط واستبدالها بالأمل في الحياة مع التسلح بالصبر على الابتلاءات التي يواجهها المسلم، فتتحول من محنة إلى منحة، ولهذا قال الله تعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون، ومن يتأمل سير الأنبياء والمرسلين سيجدهم أكثر الناس بلاء، ومع هذا فهم أكثر الناس صبراً وعطاء لخدمة البشرية، فالمحن ليست غضباً من الله، وإنما قد تكون حباً من الله وتطهيراً للإنسان، مما اقترفه من المعاصي والآثام، ولهذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها إلّا كفر الله بها من خطاياه. } هل تعتقد أن مجرد الشعور بالأمل هو المخرج مما نحن فيه؟ الأمل يدفعنا إلى العمل، ولذلك لابد أن نتمسك جميعاً، أفراداً وجماعات، بالأمل لأننا أبناء دين يجعل اليأس ملازماً للكفر، حيث قال الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه يعقوب عليه السلام في سورة يوسف: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلّا القوم الكافرون، وفي الوقت الذي تتزايد فيه معدلات الانتحار في دول حققت أعلى مستوى اقتصادي في العالم، كما أكدت ذلك التقارير الدولية نجد أن هذه المعدلات أقل بكثير جداً في الدول الفقيرة أو حتى شديدة الفقر التي يدين أهلها بالإسلام، نحن أبناء دين أعطى المسرفين في الذنوب والمعاصي الأمل في رحمة الله ومغفرته، فقال الله سبحانه: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون. لا تجزعوا } ماذا تقولون لمن تملكتهم الأمراض النفسية واليأس؟ أقول لهؤلاء استعينوا بالله ولا تجزعوا فإنه على قدر الإيمان يكون البلاء، وبالتالي فإن البلاء ليس غضباً من الله كما يظن البعض، وعليكم بالقراءة في سير الأنبياء والمرسلين الذين غيروا وجه البشرية، وهم أحب الناس إلى الله وقد ابتلاهم الله ثم جاءهم النصر بعد العسر الشديد، وتكرر الأمر نفسه مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسجل لهم القرآن العبرة مما حدث مع الأمم السابقة حتى يصبروا فقال الله سبحانه وتعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب، ولهذا فإن الصحابة والتابعين صبروا على الشدائد واستطاعوا فتح غالبية المعمورة، ونشروا الإسلام فيها بالأمل والثقة في نصر الله.