أتحدث عن سنغافورة، كنموذج سابق للفساد والتخلف ونموذج لاحق للنزاهة والتطور. بتخطيط وعزم رجل قيادي عرف كيف يستفيد من القلة المتبقية في بلده من المخلصين، انتقلت سنغافورة من بؤس العالم الثالث إلى استقرار العالم الأول. يقول قائد النهضة السنغافورية لي كوان يو: لا يمكن تصور إلى أي درجة كانت سنغافورة الستينيات بائسة، فقر ومرض وفساد وجريمة، مناصب الدولة تعطى لمن يدفع ورجال الأمن يسلمون الصغيرات المختطفات إلى دعارة الأجانب، يتقاسمون مع المومسات واللصوص ما يجمعون من الأموال. احتكر الأغنياء الأراضي والمحاصيل ووجدوا بين القضاة من يحكمون لصالحهم. قال لي جميع المتذمرين من الأوضاع الإصلاح مستحيل، لكنني التفت أولا إلى المعلمين الوطنيين رغم تدني تقديرهم الاجتماعي وأجورهم فمنحتهم أعلى الأجور وقلت لهم أنا أبني لكم أجهزة الدولة وأنتم تكفلوا لي ببناء الإنسان. انتهى جاسر الحريش وعدتُ نفسي، قبل أن أعد القراء، بألا أسكت على أي هجوم على الإسلام، والآن أمامي مقال عنوانه «بي بي سي تريد منا أن نصدّق أن القرآن صحيح (أو حقيقي)» كتبه روبرت سبنسر، وهو يهودي أميركي ليكودي الهوى، ونشره موقع «فرونت بيدج» الليكودي مثله. القرآن صحيح ألف في المئة، والتوراة خدعة أو بدعة أو إشاعة ألف في المئة أيضاً. أكتب كطالب تاريخ لا دين، وما أعرف يقيناً هو أن القرآن جاء في ضوء التاريخ، وكل شيء عنه تؤكده آثار موجودة، ولا خلاف إطلاقاً على نسَب نبي الإسلام، أو والديه، أو صحابته وأنصاره، أو تاريخ كل من حروبه. ونص القرآن واحد. في المقابل، التوراة كتِبَت بعد 500 سنة إلى ألف سنة من التاريخ المزعوم لأحداثها، ولا آثار تثبت شيئاً فيها، أو عن أنبيائها. وهي ملأى بأخبار إبادة جنس ومومسات، ما لا يوجد مثله إطلاقاً في القرآن الكريم. جهاد الخازن استمعت في حياتي إلى مئات الكلمات والخطب، لكن واحدة منها لم تأخذني إلى ذلك الشعور الفوقي بحجم العواطف مثلما أخذتني تلك الكلمة القصيرة لأخت باراك “حسين” أوباما في حفلهما العائلي النيروبي. كنت أشعر أن حروفها لا تخرج من اللسان، بل من كل جسدها الذي كان يتراقص مع كل كلمة. عناق باراك أوباما لأخته في نهاية الكلمة يجعل المشهد برمته عصيا على الوصف والكتابة. وأنا اليوم لا أكتب مجرد مشهد أخ وأخت بقدر ما أحاول كتابة دهشتي بمنظر حي من ثمار العقل العولمي لمن قرأ أو شاهد المقطع القصير بعقل.وليشرب من يغضب من مياه “الأطلسي” إن قلت بصراحة ووضوح إنني وقفت احتراما لشعب مثل الشعب الأميركي الذي أعطى الفرصة مرتين لابن طالب كيني كي يصل للبيت الأبيض، ثم احتشدت قنوات إعلامه بأذرعها الهائلة لتتسابق في نقل تفاصيل ودهاليز زيارة “رئيسهم” لأهله في قرية أفريقية. خذوا الحقيقة المقابلة: على الخارطة العربية خمس دول مكتملة تعيش لأعوام بلا رئيس، لأننا وبكل اختصار لا نزال نعيش مرحلة قاتلة من مهد العقل الطفولي الذي يختلف بالرصاص والخناجر على المذهب والعرق والأصل والفرع واللون والجهة والمنطقة والقبيلة. د. علي موسى