بات الشغل الشاغل للكثير من علماء الاجتماع وعلماء النفس والباحثين والمؤرخين هذه الأيام البحث عن سبب لظاهرة التطرف الديني المؤدي إلى الأعمال الإرهابية البشعة التي لم يسلم منها مكان في العالم، والتي تجسدت في هذا العصر بأبشع صور التطرف في ما بات يعرف بتنظيم الدولة أو اللفظ الذي أصبح أكثر تداولاً ودلالة أي (داعش). فالتنظيم في الحقيقة ليس دولة بالمعنى الحقيقي والمعاصر للمعنى ولكنه أقرب لمفهوم الجماعة العضوية ذات الرابط العقدي الناظم لأفرادها. وكلمة داعش، بما أضحى يثيره هذا المصطلح الجديد من رعب واشمئزاز، أدق في الدلالة التي بدأ استخدامها يتسع فأصبحنا نسمع ان هناك دواعش من مذاهب اخرى، وتم أخيرا إلحاق المستوطنين اليهود الذين قاموا بإحراق العائلة الفلسطينية باللفظ ذاته. إذا فقد أصبح اللفظ ذو المنشأ المتطرف يوسع مظلته ليشمل كل من يقوم بعمل متوحش ناتج عن التزامه العضوي بالانتماء إلى عقيدة ما. وقد حير الجميع ذلك التنوع الكبير في فسيفساء المنتمين إلى هذا التنظيم الإرهابي فهم؛ غربيون وشرقيون، نساء ورجال، منهم من كان ذا خلفية إجرامية ومدمن مخدرات، ومنهم الطبيب، وإمام المسجد، والطالب، وأجيال نشأت وولدت في محاضن ديمقراطية أوروبية. بالأمس فقط أذاعت نشرات الأخبار خبر التحاق أستاذ في علوم الحياة والأرض من مدينة تطوان شمال المغرب العربي بداعش ونفس الخبر حمل انضمام لاعب منتخب مغربي لكرة القدم داخل الصالة إلى التنظيم ذاته ممّا أثار نقاشات واسعة حول طرق استقطاب «داعش» لفئات لم تكن سابقًا تتجه إلى مثل هذه التنظيمات المتطرّفة. إذا لم يعد الجنس محدداً للمتعاطفين مع داعش، ولا العمر ولا الخلفية المهنية ولا التخصص العملي أو العلمي، أصبح داعش مثار جذب للكثير من المتنوعين المختلفين لكن يبقى شيء واحد يتماثل الجميع فيه وهو؛ الإيمان بعقيدة مغلقة، وهي احد تصنيفات العقائد في الدراسات الاجتماعية حيث يقابلها على طرف النقيض العقائد المنفتحة. وتكمن أهم خصائصها في أنها تصبغ وجدان المنتمين إليها بأحكام مطلقة وتصورات نهائية تاريخية مقدسة عن الكون. وتتصف علاقة المنتمين إليها بالثقافات الأخرى بكونها قطعية، وذات اتجاه واحد، يتمثل في نشر تعاليمها والإلزام بتطبيقها وليس غير ذلك. وكونها مغلقة يعني أنها لا تقبل التغيير من الخارج ولا يتفاعل المنتمون المؤمنون بها مع التطورات المجتمعية من حولهم مهما بدت الحاجة ملحة لذلك. كما تتميز بنظرة استعلائية للآخر لدى أتباعها تنتج عن أنهم وحدهم يملكون الحقيقة وهذا سبب اعتقادهم الفوقي كونهم يعتقدون أن عقيدتهم هي المجال الوحيد لتطبيق تعاليم الدين. هذا الخيط العقدي هو الشيء الوحيد الذي يمكن عن طريق تتبعه معرفة سر التنظيمات المتطرفة فلم يعد كما أسلفنا أي من عناصر فسيفساء التنظيمات الإرهابية ذا دلالة أو منفعة.