صوّت 174 نائباً في مجلس نواب الشعب التونسي لفائدة تمرير قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، في حين احتفظ عشرة نواب بأصواتهم. القانون الجديد سمح لقوات الأمن التونسية وقوات الجيش بالمرور إلى السرعة الخامسة في مكافحة الجرائم الإرهابية. ورغم التخوفات من أن يتحول القانون الجديد إلى أداة قمع لكل صوت حرّ، إلا أن نواب الشعب يؤكدون على أنه قانون لإرهاب المعتدين على أمن تونس. تزامناً مع إحياء الذكرى الثانية لاغتيال النائب محمد البراهمي، تمكن نواب مجلس الشعب من الإيفاء بتعهداتهم بعد ثلاثة أيام من النقاشات والتباين في الآراء من المصادقة على قانون، تعتبره النخب السياسية والخبراء الأمنيون أنه أداة تشريعية ضرورية لمحاربة الظاهرة الإرهابية المتنامية في تونس. فصول عديدة، أثارت نقاشات أهمها تلك التي كانت عقوبتها الإعدام. ورغم ذلك فقد صوتت أغلبية النواب على هذه العقوبة التي تعارضها عدة مكونات سياسية ومدنية. ولذلك يبرر من صوت لفائدة هذا القانون ومن يدافع عنه من الخبراء، بأن التنظيمات الإرهابية قد أرهبت التونسيين على مدى السنوات الماضية ونكلت بجثث شهداء الأمن والجيش، وأباحت دماء الأبرياء من السياسيين. ويقول مناصرو هذا القانون، إنه يأتي ليرهب المعتدين على أمن البلاد، ويأتي ليبيّن أن أغلبية التونسيين متحدون في المواقف من الظاهرة الإرهابية والدليل هو اجتماع أحزاب الائتلاف الحاكم وأحزاب المعارضة في التصويت لفائدة القانون الجديد. وينص القانون على منع تكوين عصابات ترتكب جرائم إرهابية في القطر التونسي أو في خارجه، كما يضع القانون الجديد رقابة صارمة على تمويل الإرهاب، وكذلك على أي نوع من الدعم للجماعات الإرهابية. وتنصّ المادة 26 في مشروع القانون على أنه يعد مرتكباً لجريمة إرهابية ويعاقب بالإعدام كل من يتعمد قتل شخص يتمتع بحماية دولية. فيما تنصّ المادة 27 على الإعدام بحق كل من قبض على شخص أو أوقفه أو سجنه أو حجزه دون إذن قانوني وهدد بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه من أجل إكراه طرف ثالث إذا نتج عن ذلك الموت. أما المادة 28 فتنصّ على عقوبة الإعدام إذا تسبب الاعتداء بفعل الفاحشة في موت المجني عليه، كما يعاقب بالإعدام كل من يتعمد في سياق جريمة إرهابية مواقعة أنثى دون رضاها. ويجرّم قانون الإرهاب الجديد التكفير ويعتبره عملاً إرهابياً صرفاً يستوجب عقوبة الإعدام. وتتكامل مواد قانون مكافحة الإرهاب في إغلاق كل المنافذ أمام المتورطين في جرائم إرهابية، ورفع كل حصانة عمن يثبت أنه قد أسهم في ارتكاب جريمة إرهابية بأي شكل من الأشكال. إنجاز عظيم محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، الذي كان قد تعهد بالتصويت على القانون قبل يوم 25 يوليو/تموز 2015 أي قبل حلول الذكرى الثانية لاغتيال النائب محمد البراهمي، صرّح أن التصويت على مشروع القانون هو إنجاز عظيم، مشيراً إلى أنه يمثل استجابة لحاجة ورغبة ملحة من التونسيين. وقال إنّ هذا القانون لن يعتمد رسمياً إلا بعد أن يحال على الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين ثم يتم ختمه من قبل رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. أما عمر الوسلاتي كاتب عام المرصد التونسي لاستقلال القضاء فقد قال إنّ القانون الجديد سيسمح بمحاصرة الجماعات المتشددة مالياً، وتضييق الخناق عليها بالتشديد في العقوبات السالبة للحرية وكذلك السجن وطرق التمويل وتجفيف منابعها. وكانت عدة جهات سياسية وأمنية وعسكرية قد طالبت مجلس النواب بالتسريع في المصادقة على قانون الإرهاب من أجل تفعيل الحرب على الإرهاب وتوفير الحماية القانونية اللازمة لعناصر الأمن والجيش للمضي قدماً في مكافحة الجماعات المسلحة التي باتت تستخدم تونس أرضاً للقيام بعمليات إرهابية بهدف إضعاف الدولة وضرب أسس المجتمع. تباين رغم التصويت القوي لفائدة قانون مكافحة الإرهاب إلا أن هناك عدة مواقف تبدو رافضة أو متحفظة إزاء القانون الجديد. وتعبر هذه الأطراف عن خشيتها من أن يتحول القانون إلى أداة ظلم وانتهاك للحريات العامة والشخصية. فجمعية القضاة التونسيين عبّرت عن وجود ثغرات في قانون مكافحة الإرهاب تتعلق بضمانات المحاكمة العادلة، ببعض المفاهيم التي تعتقد أنها ظلت فضفاضة. أما الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي فقد اعتبر قانون الإرهاب الجديد قانوناً سيّئاً لأنه يقر عقوبة الإعدام التي يراها غير كافية للقضاء على الجريمة. أبرز التحفظات تأتي على خلفية أن يقع الحد من الحريات العامة وأن يتم استغلال هذا القانون بالشكل الذي وقع به قبل ثورة 2011. غير أنّ عديد المراقبين يؤكدون أن العودة إلى الوراء هي عملية مستحيلة وأن قانون مكافحة الإرهاب يأتي من أجل حماية البلد والدولة من تفاقم الأنشطة الإرهابية، دون أن يقع المس بالحريات العامة التي نص عليها الدستور. تنامي الإرهاب الحقيقة أن تونس باتت تواجه مخاطر حقيقية نتيجة تفاقم العمليات الإرهابية التي طالت كل المجالات، آخرها كانت عملية استهداف فندق سياحي في مدينة سوسة، مما أصاب أهم قطاع اقتصادي في تونس في مقتل. الدولة التونسية لم تنتظر تلقيها ضربات جديدة ومؤلمة من طرف الجماعات الإرهابية، بل إنها استبقت إصدار قانون مكافحة الإرهاب بإعلان حالة الطوارئ أولاً وبالقيام بعمليات استباقية ضدّ الخلايا النائمة. الإحصائيات التي تصدرها وزارة الداخلية التونسية بصفة متواترة في الأيام الأخيرة تثبت العمليات الأمنية الكبيرة التي تقوم بها مختلف التشكيلات الأمنية من خلال مداهمة أوكار هذه الخلايا وإفشال مخططاتها، ولعل أهم ضربة وجهتها قوات مكافحة الإرهاب هي إفشال مخطط عملية إرهابية كبرى في مدينة بنزرت شمالي البلاد، خلال الاحتفال بعيد الجمهورية، الذي يوافق نفس اليوم الذي تم فيه اغتيال النائب البراهمي. وزارة الداخلية وبعد المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب، كثفت عمليات المداهمة الليلية للخلايا الإرهابية المنتشرة فيها وقد وقع القبض على العشرات من المشتبه بهم وإحالتهم إلى القضاء. وزير الداخلية ناجم الغرسلي أكّد أن قوات الأمن ستخوض حرباً دون هوادة ضد كل من تسول له نفسه تهديد أمن البلاد. ويشعر التونسيون بأن الخناق قد ضاق على المتشددين، وأن قوات الأمن قد استعادت نسق أدائها وفعاليتها بشكل كامل، وهو ما سيسمح بالقضاء على الإرهاب في تونس. لا خوف رغم وجود أصوات رافضة أو منتقدة للنص القانوني الجديد إلا أن هناك أكثر من سبب دفع إلى سن قانون جديد لمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال. فالعمليات المتكررة التي أدت إلى استشهاد وإصابة العشرات من قوات الأمن والجيش، والضربات المؤلمة للاقتصاد التونسي، وحجم الاختراقات التي وقع اكتشافها في صلب قوات الأمن، تثبت أن الإرهاب في تونس يستوجب فعلاً التسلح بكل التشريعات القانونية الضرورية، كما يفرض وضع خطط استراتيجية لمكافحته وتجفيف منابعه. وهناك اتفاق على أن قانون الإرهاب غير كاف وحده في معركة القضاء على الإرهاب لأنه مجرد عنصر من عناصر المعركة لكنه عنصر ضروري، لا للانتصار على الإرهاب فقط، بل لضمان حماية الدولة والمجتمع من كل خطر محتمل. من هنا يصبح القانون الجديد صمام أمان لاستمرار الديمقراطية الناشئة في تونس، وليس خطراً يهدد التجربة الديمقراطية التونسية. إن هذا القانون ليس وسيلة تشريعية لإرهاب التونسيين، وكبح جماح حرية التعبير لديهم بل هو قانون لإرهاب الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة التي جعلت من تونس ساحة للمخدرات ولتبييض الأموال. الاتفاق حاصل على أنه لا عودة لزمن الديكتاتورية، ولكن حماية الديمقراطية تستوجب أيضاً قوانين صارمة لإدارة شؤون المجتمع ولحماية المواطنين الآمنين. kamelbelhedi@yahoo.fr