إن إدراك السؤال يتأطر ضمن مجاله، وصياغته، وإشكاله، وفلسفته، ومفهومه، إذ يترتب على مفهومه الحقيقة والتجربة. ويمكن إقامة علاقة بين هذين المفهومين لمعالجة الخلل والإشكالية، وصياغة المنهج الملائم لواقع الإجابة. أما موضوعنا اليوم فهو يتأطر حول واقع اقتصادي وطبيعة الخليج العربي ككل، ومملكتنا بشكل خاص فتبدو لنا الحقيقة معروفة في ضوء العناصر التي يعيها العالم أجمع، بينما الحقيقة التي يراها فلاديمير جنكلفتش: (بأن الحقائق ليست قابله للبوح، وأن لها زمناً وقانوناً يحددانها في الظرف المناسب لقولها، وقد يكون قبل الأوان الحين لم يحن، وبعد الأوان يكون الأمر قد فات). ولكن العرض الذي يطمح له الكاتب، هو دعم ما يراهن عليه السؤال حول الحقائق التي يرتكز عليها أسلوب الحياة، ولو أخذنا أولاً علاقة الغرب بالشرق لوجدنا أن الأساس هو الاقتصاد، ولم يتعارض التعالي الغربي عن البحث الحثيث عن هذه المصالح الاقتصادية مع دول المنطقة. إذن الإجابة ستكون نعم مئة بالمائة، على السؤال في بداية النص: هل نحن مسألة اقتصادية؟ غير أن الحقيقة التي تتأرجح بين البوح والكتمان، تتمحور حول الموارد البشرية وقدراتها، وتأهيلها لخدمة وتشغيل هذا الكيان العظيم لدولة عظيمة بقدسيتها وسياستها واقتصادها. ففي الجزء الأول لا تتكون النقاط حول فلسفة وبرهنة التساؤلات فقط، وإنما لحصر الحقائق التي تهدف إلى تفسير منطقي، حول ماذا يجب عليّ أن أتأمله من العالم تجاه دولتي، وقد وفد إليها عمالة من جميع أنحاء المعمورة لا ترتقي بطموحات الدولة والشعب، ولا تتناسب مع التطور الذي تريده وتتوقعه، دولة مهمة في الموسوعة العالمية الاقتصادية، ولكن لم تجد سوى أطماع وأهداف تدور حولها، على مستوى الفعل والفكر. وفي إشارة متكررة حول هذه العمالة المتدنية المستوى والمؤهل، أصبح أمراً مستهلكاً وقديماً، وقد يتعذر تطور الدول النامية إذا بقيت على هذا المنوال، وهذه العوائق التي لم تعد ظاهرة، واستقدام كوادر لا ترتقي لمستوى هذه الدولة الكبيرة، فإنه يجعل النتائج المتوقعة متواضعة، وهذا نموذج من مئات النماذج التي توضح الطمع عند هؤلاء، الذين تنازلوا عن النزعة الإنسانية الشريفة وقدموا بحجة العمل حسب حاجاتهم الخاصة، وليس حسب حاجة البلد، إن واقع التجربة أعطى دلائل قطعية، وتأكيدات مباشرة على أن الاختيارات العشوائية لا تنجز مهامّ، ولا تعالج خللاً، ولا تطور قديماً أو جديداً متنامياً، بل تؤدي تلك الكوادر التي لم تساعد في التنمية بالشكل المطلوب، إلى إضعاف البنية التحتية، وإهدار المال العام بلا جدوى. وأستحضر هنا معياراً أشار إليه الكثير من قبل، على أن الشدائد تساعدك على النضج، من واقع تجربة خاضها العالم من قبل، علماً أن التجارب تستعيد بها الحياة بريقها وفاعليتها، وإليكم ما قال جون كوتر الأستاذ بكلية تجارة هارفارد: (إن المشاكل التي نواجهها ونتغلب عليها تجهزنا للمشاكل المستقبلية). ولا يسعنا في الوقت الراهن بناء على ماتقدم في النص، إلا إحصاء المواضع المعقدة في كل جملة أسباب، وطرح جوانبها، وكشف استراتيجيات التضليل بها، وتسليط الضوء على جملة من المشاريع التي أصبحت وهمية أو غير مكتملة، والتي تظهر عيوبها كل عام في موسم الأمطار، وتعيق أهداف التطوير والتنمية، بسبب المسؤول والعامل، وكلاهما مدان بنفس المقدار.