مع الاستعدادات التي تشهدها مصر تأهبًا لحفل افتتاح قناة السويس الجديدة بعد غد (الخميس)، اشتعل بشكل موازٍ جدل قوي في الشارع المصري حول حكام مصر في العصر الحديث، والذين يغيبون عن حفل افتتاح القناة الجديدة رغم أن أسماءهم كانت حاضرة بقوة في أحداث تتعلق بقناة السويس الأولى. وبدءًا من واقعة تراجع آخر ملوك مصر الملك السابق أحمد فؤاد الثاني عن حضور حفل الافتتاح بعد تضارب حول مصدر دعوة شفهية وجهت له، مرورًا بجدل حول جدارية تحمل صور رؤساء مصر في الجمهورية الأولى غابت عنها صورة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وصولا إلى محاولات أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي للتقليل من حجم وفوائد المشروع، لم تهدأ النقاشات الدائرة، سواء على مستوى البرامج الحوارية المسائية أو على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعات التي تسبق حفل الافتتاح. وكان متحدث باسم الملك السابق أحمد فؤاد الثاني قد أعلن قبل يومين أن الملك يستعد لحضور حفل افتتاح القناة بعد تلقيه «دعوة شفهية» منسوبة إلى الرئاسة المصرية، لكن الرئاسة المصرية نفت أن تكون وجهت مثل هذه الدعوة. ويعد فؤاد الثاني هو آخر ملوك الأسرة العلوية التي حكمت مصر منذ عام 1805، حتى أطيح بالملك السابق فاروق من عرش مصر في ثورة عام 1952، ليتنازل عن العرش إلى ابنه الصغير (آنذاك) أحمد فؤاد «تحت الوصاية» ويرحل بعدها على يخت «المحروسة» (وهو أقدم قطعة بحرية عاملة في العالم اليوم، والذي جرت صناعته خصيصًا بمناسبة افتتاح قناة السويس الأولى، ويشارك بدوره في حفل افتتاح القناة الجديدة) إلى منفاه في إيطاليا، ثم أعلنت الجمهورية في مصر عام 1954 وعزل فؤاد (الغائب فعليًا) عن الحكم. وخلال فترة حكم الأسرة العلوية، جرى الاتفاق على مشروع القناة في عهد سعيد باشا والي مصر، ثم حفرها الذي استغرق عشر سنوات حتى افتتاحها عام 1869 في عهد خلفه الخديو إسماعيل.. وهو المشروع الذي نقل مصر نقلة حضارية كبرى رغم بعض المآخذ على طريقة تنفيذه باللجوء إلى سخرة العمال أو حق الانتفاع الذي امتد إلى قرن من الزمان. وأشارت أسرة آخر ورثة الأسرة العلوية، الملك السابق أحمد فؤاد، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أمس إلى أنه: «نظرا لعدم تلقي الملك فؤاد دعوة رسمية لحضور حفل افتتاح قناة السويس الجديدة حتى الآن، قرر اعتبار الدعوة الشفهية المنقولة له عبر الشركة المنظمة للاحتفالية، والتي قيل إنها بتكليف من مكتب الرئاسة، شائعة ليس لها أساس من الصحة، ولا يعلم مقصد مطلقها إلا الله». كما أضاف البيان أنه بناء على ذلك «قرر الملك إلغاء إجراءات سفره، متمنيا من الله لمصر وشعبها كل التوفيق، وأملا في أن تتاح له فرصة زيارة أرض الوطن في المستقبل القريب». رئيسا مصر في الجمهورية الأولى، جمال عبد الناصر وأنور السادات، حضرا رمزيًا في استعدادات القناة الجديدة، من خلال جدارية أقيمت خصيصًا على ضفة القناة بهذه المناسبة، لكن بعض الأصوات قالت إن صورة الرئيس الأسبق حسني مبارك أزيلت من الجدارية. وكان لعبد الناصر دور تاريخي في تأميم القناة عام 1956 من أجل توفير تمويل لبناء السد العالي، وكذلك استعادة مصر لحقوقها وإصلاح خطأ تاريخي، إضافة إلى حروب خاضتها مصر في عهده على ضفتي القناة، وشهدت فيها مدن القناة الثلاثة أحداثا جساما، سواء عدوان عام 1956، أو حرب عام 1967، وما تلاها من معارك الاستنزاف. كما كان للسادات دور لا يقل أهمية سواء بقرار عبور القناة عسكريا في عام 1973، أو استعادة الضفة الشرقية للقناة من خلال اتفاقية السلام لاحقا. لكن الجدل اشتد في البرامج الحوارية المصرية المسائية حول مسألة غياب مبارك عن الصورة، حيث قال مؤيدوه المعروفون بالشارع المصري باسم «آسفين يا ريس» وآخرون، إن ذلك يعد «تشويها للتاريخ» نظرا لدور مبارك سواء في حرب عام 1973، أو لاحقا بمشروعات أخرى لتطوير مجرى قناة السويس القديم، داعين إلى إعادة صورة مبارك إلى الجدارية. لكنَّ أصواتًا معارضة، وبينهم قانونيون، أكدوا أن هناك حكما سابقا صدر عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، يقضي برفع اسم وصور مبارك من على كل المنشآت العامة.. مؤكدين أن الحكم «ما زال ساريًا حتى اليوم، ولم يجر إلغاؤه»، ما يعني عدم قانونية وضع صورة مبارك في الجدارية. الرئيس الأسبق محمد مرسي، رغم أنه لا يشمله الجدل بصورة مباشرة كونه محبوسًا قيد عدد من المحاكمات وصدرت ضده بعض الأحكام من بينها حكم بالإعدام، إلا أن مؤيديه من أنصار جماعة الإخوان يشنون حربًا شعواء على فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من القنوات الإعلامية التابعة لهم، حيث يقومون بالتشكيك في الجدوى الاقتصادية للقناة الجديدة، رغم الإشادات الدولية بالمشروع. أما الرئيس السابق المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا الذي حكم مصر لنحو عام خلال فترة انتقالية، فمن المتوقع حضوره حفل افتتاح القناة الجديدة، سواء بصفته كرئيس لأرفع محكمة مصرية، أو تقديرًا لدوره الهام خلال فترة شائكة من تاريخ مصر الحديث. وكذلك من الوارد بشدة حضور الحفل من قبل المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق، رئيس المجلس العسكري الذي أدار مصر عقب تنحي مبارك عن الحكم، ليظل الشخص الوحيد الغائب سواء عن الصورة أو الجدل بشكل كامل عن حفل افتتاح القناة الجديدة، في تاريخ حكام مصر في العصر الحديث هو اللواء محمد نجيب، الذي كان أول رئيس في تاريخ جمهورية مصر العربية.