×
محافظة المنطقة الشرقية

كلمات وألحان من الماضي.. أين الجديد؟

صورة الخبر

مع كل الإشارات القادمة من واشنطن بأن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأمريكي قد يرفع سعر الفائدة الأساسية بربع نقطة على الأقل قبل نهاية العام، تتحسب الأسواق لاستمرار ارتفاع سعر العملة الأمريكية (الدولار) وما له من تأثير ليس فقط على خطط المستثمرين وعائدات الشركات متعددة الجنسية وإنما أيضاً على الاقتصاد العالمي ككل. وما يثير قلق المعنيين هو أن القرار الأمريكي بشأن الفائدة يعتمد أساساً على عوامل أمريكية دون اهتمام بالاقتصاد العالمي، إلا بقدر تأثيره على الاقتصاد الأمريكي. وكما خلص صندوق النقد الدولي في دراسة أخيرة له فإن رفع سعر الفائدة أمر جيد إذا كان مستنداً إلى آفاق نمو اقتصادي جيدة، لكنه ليس كذلك إذا كان لاعتبارات ضبط سياسات نقدية فحسب. فالمرجح أن الاحتياطي الفيدرالي يريد تشديد السياسة النقدية ليعادل مدة طويلة من التساهل عبر ما سمي التيسير الكمي أي ضخ الأموال في الاقتصاد في أعقاب الأزمة المالية العالمية قبل ست سنوات. ارتفع سعر صرف الدولار بنسبة 20 في المئة تقريباً من أكتوبر العام الماضي حتى مارس من هذا العام، ويتوقع أن يواصل الارتفاع ليتجاوز زيادة بأكثر من ربع قيمته خاصة في حال رفع سعر الفائدة الأمريكية. ورغم أن ذلك قد يسهم في ضبط دفاتر الحكومة الأمريكية ويوازن مؤشرات الاقتصاد الكلي من نمو ونسبة بطالة ونسبة تضخم.. الخ، إلا أن أثره على العالم ليس بالأمر الإيجابي في كل الأحوال. وحتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية فإن النسبة الأكبر من الشركات متعددة الجنسيات المسجلة في بورصة وول ستريت تتأثر سلباً بارتفاع سعر الدولار أمام عملات البلاد التي تعمل فيها تلك الشركات. ونشرت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية مؤخراً تقريراً خلاصته أن الشركات الكبرى خسرت نحو 100 مليار دولار في النصف الأول من العام نتيجة ارتفاع سعر الدولار. واستعرض التقرير العائدات نصف السنوية لنحو 100 شركة من الشركات المسجلة على مؤشر ستاندرد أند بورز 500 في وول ستريت مقدراً خسارة شركات المؤشر بنهاية العام بأكثر من 300 مليار دولار في حال استمرار ارتفاع سعر الدولار. وتعود خسارة العائدات إلى أن تلك الشركات حين تحسب عائداتها بعملات الدول التي تعمل فيها تقل قيمة تلك العائدات لدى حسابها بالدولار. ناهيك عن أن ارتفاع سعر الدولار يضر بالقدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية في السوق العالمية. كل هذا يمكن للاقتصاد الأمريكي تحمله، لكن من الصعب تجاهل تأثير استمرار ارتفاع سعر الدولار على الاقتصاد العالمي. وربما يرى البعض إيجابية في ارتفاع سعر العملة الأمريكية، خاصة بالنسبة لبعض الدول التي تربط سعر عملتها بالدولار الأمريكي مثل دول مجلس التعاون الخليجي. فلا شك أن نسبة الارتفاع أسهمت في تخفيف تبعات انخفاض أسعار النفط بمقدار النصف تقريباً في الفترة ذاتها، خاصة وأن أغلب هذه الدول يعتمد في أكثر من ثلثي دخله على عوائد مبيعات الطاقة. صحيح أن سعر النفط يتناسب عكسياً مع سعر الدولار، ولأن النفط ككثير من السلع يسعر بالدولار فإن ربط عملات الدول المصدرة بالدولار خفف خسائرها بنسبة ارتفاع الدولار في مدة العام الأخير. لكن في المقابل، هناك دول تربط عملتها بالدولار، بدرجة أو بأخرى، لكنها تضررت من ارتفاع سعره لأنه قلل تنافسية منتجاتها المسعرة بعملاتها المحلية، وتعد الصين والهند مثالاً على ذلك. صحيح أن تلك ليست المرة الأولى التي يرتفع فيها سعر الدولار بشدة، ففي الفترة من 1981 إلى 1985 بنحو الضعف تقريباً (ارتفع مؤشر سعر صرف الدولار من 90 إلى 160) وتطلب إعادة العملة الأمريكية إلى التوازن السعري نحو ثلاث سنوات. لكن صندوق النقد الدولي يخلص في تحليل له إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار بشدة غالباً ما يرتبط بأزمة في الاقتصادات الصاعدة، وهذا ما يخشى منه الآن في ظل مؤشرات تباطؤ نمو اقتصاد الصين مثلاً. وحسب بنك التسويات الدولي فإن هناك ما قيمته أكثر من 8 تريليونات دولار من سندات الدين المقيمة بالدولار مستحقة على مدينين غير أمريكيين. ويقدر البنك، المعني بالنقد والسندات المقيمة به، أن ديون الشركات المقيمة بالدولار زادت بمقدار 3 تريليونات دولار في السنوات الست الأخيرة. ويشكل هذا الدين مخاطر كبيرة على مستقبل الاقتصاد العالمي ككل. ومما قد يضاعف من تلك المخاطر أن ربيع الورقة الخضراء سيغري المستثمرين بتحويل محافظهم إلى عملة يرتفع سعرها والفائدة عليها ترتفع. والمخاطر هنا مزدوجة، إذ إن سوق السندات في هذه الحالة يزداد غلياناً لاستهدافها عائداً وربحاً يوازي عائد الأسهم، ومن ناحية أخرى تنتفخ فقاعة سوق السندات ما يهدد بانفجارها بشكل لا يتحمله الاقتصاد العالمي الهش.