جاءت صفقة إيران النووية كمقامرة كبيرة للولايات المتحدة وروسيا، فقد هددت الصفقة صناعة النفط في كلتا الدولتين، وكذلك هددت النمو الاقتصادي في روسيا. يعتمد الأمر الآن بشكل كبير على قدرة إيران على تسريع وتيرة إنتاج النفط حسبما قالت، وعلى رد فعل المتأملين لتلك الجهود، وما إذا كان سيماثل ردّ فعلهم عند سماع إخبار إبرام الصفقة مع إيران. قفز سعر نفط برنت الربيع الماضي إلى 68 دولارا أميركيا للبرميل، وكان ذلك في 6 يوليو (تموز)، إلا أن السعر تراجع إلى 56 دولارا للبرميل في أول يوليو، بعدما أظهرت المحادثات مع إيران تقدما ملحوظا. بيد أن المحللين عزوا ذلك التراجع لسبب آخر، وهو عدم اليقين من مدى تأثير أزمة اليونان على الطلب الأوروبي على النفط، وانهيار البورصة الصينية، إلا أن أي تأثير محتمل لهذين السببين يجب أن يكون قد تلاشى في حينه، إذ إنه عند إبرام الاتفاق مع إيران في 14 يوليو، استقر سعر برميل «برنت» عند 56 دولارا. وهذا السعر يعتبر قريبا من السعر الذي تستطيع كل من روسيا والولايات المتحدة تحمله من دون تكبد خسائر كبيرة. بناء على الموازنة الروسية، من المقرر أن يتم تصدير مزيج نفط الأورال بسعر 50 دولارا للبرميل في العام الحالي، و60 دولارا، العام المقبل، بينما السعر الحالي بلغ 55 دولارا للبرميل، وفي حال تراجع السعر إلى 50 دولارا للبرميل أو أقل، فقد تستمر روسيا في مواجهة الركود عام 2016، بدلا من تحقيق نسبة نمو 2.3 التي تتوقعها الحكومة. حتى السعر الحالي سوف يسهم في زيادة عجز الموازنة وسوف يجبر معدلات الإنفاق الحكومي على التراجع. في دولة يشكل إنتاج النفط والغاز فيها نسبة 17 إلى 25 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، فإن أي تراجع في استثمارات الشركات النفطية يشكل إزعاجًا كبيرًا لا يمكن تعويضه بأي زيادة في الطاقة النووية، أو بزيادة التعاون في مجال النفط والغاز مع إيران. في الولايات المتحدة، استقرت صناعة «التكسير المائي» أو «الهيدروليكي» على السعر الحالي؛ فبعد تراجع طفيف في مايو (أيار) الماضي، ارتفع إنتاج الولايات المتحدة مجددا إلى 9.6 مليون برميل يوميا، واستقر على المستوى نفسه على مدى الشهرين الماضيين. توقفت مؤشرات شركة «ريغ» للتنقيب عن النفط عن التراجع، وكذلك عن الارتفاع، ومع ثبات أسعار الخام فوق حاجز 50 دولارًا للبرميل، لن يتراجع النشاط، وسوف يستقر على ما هو عليه، حسب تقرير حديث أعده أندرو كوسغروف وويليام فويلز، المحللان بمؤسسة «بلومبيرغ» البحثية. إلا أن شركات التكسير الهيدروليكي الأميركية الصغيرة تظل مهددة، ومن الممكن أن تحتويها الشركات الكبرى، ولذلك لن يتراجع الإنتاج، لكن في حال تراجع السعر دون مستوى الخمسين دولارا للبرميل، فسوف يتعرض اللاعبون الكبار أيضا للخطر. بالطبع سوف تتراجع الأسعار نتيجة لانخفاض الطلب، وفي الوقت الحالي يتم إمداد سوق النفط العالمي بنحو 800 ألف برميل يوميا، حسب مؤسسة «مورغان ستانلي». وتتوقع منظمة الدول المصدرة للبترول، التي تقول «مورغان ستانلي» إنها المسؤولة عن الإنتاج الزائد، أن يرتفع الطلب بمقدار 1.34 مليون برميل يوميا عام 2016. وهنا يأتي العامل الإيراني، ومفاده أن الزيادة في الإنتاج الإيراني، بعد رفع العقوبات عنها قد يشير إلى الفارق بين سوق متوازن وإمدادات متواصلة زائدة عن الحاجة. بمقدور وزير النفط الإيراني بيزان نمدار زنغنه أن يجعل الأميركان والروس يرون ما هو أسوأ. ففي شهر يونيو (حزيران) الماضي ضخت إيران 2.85 مليون برميل نفط يوميا، إلا أن زنغنه أفاد بأن تلك الكمية سوف ترتفع إلى 4 ملايين برميل خلال سبعة شهور من تاريخ رفع العقوبات. وبناء عليه، وحسب تصريح الوزير، فقد يرتفع الإنتاج فجأة إلى 4.7 مليون برميل يوميا. تهدف إيران بذلك إلى استعادة حصتها السوقية السابقة. ويضيف زنغنه أن «المسؤولين عن حماية الأسعار، هم أنفسهم من شغل مكاننا في الإنتاج خلال الفترة الماضية واستفاد منها». وهنا يبرز التساؤل عما إذا كان الرقم الذي طرحه زنغنه قابلا للتحقيق. ويتوقع رتشارد نيفيو، الأستاذ في مركز دراسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، أنه خلال فترة تتراوح بين 6 إلى 12 شهرا من رفع العقوبات، سوف تضيف إيران 300 ألف إلى 500 ألف برميل يوميا فقط إلى سوق النفط العالمي، لأن حقول النفط الإيرانية عانت من قلة الاستثمار خلال السنوات الماضية. وحتى تستعيد شبابها ومقدرتها، سوف تحتاج تلك الحقول استثمارات بقيمة 50 مليار دولار، ولن يكون هذا المبلغ متاحا بالضرورة. وحسب نيفيو «سوف تكون إيران قادرة على ضخ مخزونها النفطي الذي يقدر بـ30 إلى 40 مليون برميل إلى الأسواق، إلا أن هذا الكم يعتبر أكبر من أن يضخ كله في وقت واحد، وسوف تتلقى إيران ضربة في السعر، لو أنها أرادت تصريف مخزونها النفطي بسرعة. وسوف تسعى بعد ذلك لضمان زيادة إنتاجها الجديد، وسوف تحارب لاستعادة المكان الذي فقدته في سوق النفط منذ ثلاث سنوات. سوف يكون ذلك صعبا حتى وإن ارتفعت الأسعار في سوق النفط، وفي ضوء الأسعار الحالية، سوف يكون التحدي كبيرا». إن صدق نيفيو، ألا يعنى ذلك أن أسعار النفط سوف ترتفع؟ من الصعب الجزم بذلك لأن السعر لا يحدده العرض والطلب فقط، إذ إن الأخبار الواردة من إيران عن زيادة صادراتها النفطية وصفقاتها المبرمة مع اللاعبين الكبار في سوق النفط تنبئ بانخفاض أسعار النفط. حتى الآن، تبدو صناعة التكسير الهيدروليكي الأميركية والاقتصاد الروسي، الذي يعتمد بشكل أساسي على قطاع الطاقة المملوك للدولة، مقدرا لهما السير على حبل تستطيع إيران، أو الأخبار الواردة منها، انتزاعه بسهولة. التوازن هش، وكان من الممكن أن يكون أقل هشاشة من دون الاتفاق النووي، بيد أن موسكو وواشنطن بالتأكيد قد رأتا في الاتفاقية مزايا تفوق مخاطر النفط. إحدى تلك المزايا المقايضة بين روسيا والولايات المتحدة: التعاون في الشرق الأوسط مقابل فرصة تجميد الصراع في أوكرانيا. من الممكن أن تكون روسيا والولايات المتحدة تسعيان للاستفادة بشكل متبادل من التوسع الاقتصادي داخل إيران. في كلتا الحالتين، فإن الكلفة، التي ينظر لها باعتبارها انهيارا جديدا في سعر النفط، من الممكن أن تكون أكبر من المتوقع.