تعزز إرهاب جماعات المستوطنين للفلسطينيين وأعمالها العدائية، مع ظهور ما بات يطلق عليه "دولة للمستوطنين في الضفة الغربية"، وهي ناجمة عن نهج استيطاني سرطاني تبنته كافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وسمح هذا النهج بغزو المستوطنات الضفة الغربية، مما ساهم في ظهور دولة للمستوطنين، التي لا تحكمها أي قوانين، إلا قانون الإرهاب الذي ينطلق منه المستوطنون لممارسة كافة أشكال العنف ضد الفلسطينيين. فجريمة حرق المساجد ومنازل الفلسطينيين الآمنين ومزارعهم، لا يمكن النظر إليها على أنها انفلات بعض المستوطنين من عقال دولة الاحتلال وقوانينها، حسب ما يقول معظم الناشطين في الأراضي الفلسطينية. بل أن الحكومات المتعاقبة تقصدت منح المستوطنات المشيدة في محيط المدن الفلسطينية لغلاة المستوطنين، الذين يعجز الإسرائيلي عن مجاراتهم أو التعايش معهم في المدن الإسرائيلية، كتل أبيب أو ريشيون لتسيون. وحظي هؤلاء المستوطنين، الذين نبذهم المجتمع الإسرائيلي نفسه، بدعم حكومي على مر الزمن، وغير مسبوق من الحكومتين الإسرائيليتين المتتاليتين برئاسة بنيامين نتانياهو. وعمد 7 من وزراء حكومة نتانياهو، وهم من سكان تلك المستوطنات وجمهور ناخبيهم بات من المستوطنين، إلى زيادة تكبيل القوانين الإسرائيلية لمنعها من معالجة إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين. وفي هذا السياق، تقول منظمة يش دين الحقوقية الإسرائيلية في أخر إحصائية، إن 95% من القضايا، التي رفعها فلسطينيون أمام القضاء الإسرائيلي ضد المستوطنين أو قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية العاملة في الضفة الغربية لحماية المستوطنات أغلقت وقيدت ضد مجهول. وعززت هذه المعلومات القناعة عند المستوطنين باستحالة ردعهم من أي قانون في حال كان المعتدى عليه فلسطيني، الأمر الذي شجع عمليات الإرهاب والعنف، وخاصة من الجيل الجديد من المستوطنين. فالشبان، الذين ولدوا في المستوطنات بعد هجرة ذويهم من أوروبا وأميركا يعتبرون الأشد عداوة للفلسطينيين، وقد شجعتهم ممارسة السطات القضائية على هدر مزيد من الدم الفلسطيني. وشكلوا جماعات ومنظمات صهيونية، وأبرزها تدفيع الثمن وشبان التلال وجبل الهيكل، بالإضافة إلى جماعة من تتبع الحاخام المتطرف كاهانا، وذلك للعمل ضمن استراتيجية الترهيب والترويع للسكان الفلسطينيين. وتركز هذه الجماعات في إرهاب الفلسطينيين، الذين يعيشون في ما يعرف بـمناطق جيم حسب تصنيف اتفاقية أوسلو، أي المناطق الواقعة تحت سيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، وتشكل ثلثي مساحة الضفة الغربية. وتؤكد جريمة مقتل الطفل محمد أبو خضير، الذي أحرق حيا قبل عام علي يد حفنة من المستوطنين من أبزر الدلائل على ارتباط الإرهاب الاستيطاني بالمنظومة القضائية والإدارية في إسرائيل. وقتلة أبوخضير خططوا للجريمة وانطلقوا لتنفيذها من مستوطنة آدم، جنوب شرقي رام الله، ولعل اللافت في لائحة الاتهام ضدهم كان أن الجناة كانوا في حالة هياج عصبي نتيجة لتناولهم مشروب الطاقة XL . ويشدد الناشطون الفلسطينيون على أن المبررات القضائية هذه تشير إلى انحدار السلطة القضائية إلى أسفل الدرك في إسرائيل، لاسيما في القضايا التي يشكل فيها الفلسطيني الطرف الآخر. ويعد مقتل الرضيع علي الدوابشة بعد إحراق منزل عائلته في دوما، أحدث جريمة في قائمة تضم أكثر من 11 اعتداء للمستوطنين على فلسطينيين في الضفة الغربية، بين 2004 و2015. ولم يقنع شجب الحكومة لجريمة إحراق الرضيع، في محاولة لامتصاص حركة التضامن والاستنكار الدولي، الفلسطينيين والعالم بالنظر بعين واحدة إلى الجريمة دون تحميل المسؤولية عمن زرع وغذى هذا الاستيطان، ألا وهي سياسية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وهذا ما أكده أخيرا تراجع وزراء أمثال نفتالي بينت، ووزيرة العدل الإسرائيلية عن الإدانة، بعد أن عادوا لمغازلة المستوطنين بقول واحد: إنه لمن الظلم تحميل أكثر من 7000 مستوطن يسكنون الضفة الغربية وزر فعلة من حرقوا الرضيع وعائلته.