×
محافظة المنطقة الشرقية

«المانيو» يقترب من إغلاق صفقة بيدرو... ولشبونة يفاوض بواتينغ

صورة الخبر

من المعروف في عالم النقد الأدبي المقارن أنه حين يشاء ناقد او باحث ان يربط بين أدب كاتبنا العربي الكبير نجيب محفوظ - وبخاصة إذ يتجلى في عمله المرجعيّ «الثلاثية» -، وبين الآداب الأوروبية التي لا شك انه تأثر بها، يؤتى على ذكر ادب الفرنسيين اميل زولا وأونوريه دي بلزاك. لكنه بالنسبة الى الثلاثية على الأقل، تشبيـــه لا تستقيم صحته إلا بصورة جزئية وشكلية، لأننا لو لجأنا حقاً الى الادب المقارن، وابتعدنا عن الكليشيهات المعدة سلفاً، سنجد اننا إن شئنا حقاً، ان نعثر في الآداب الأوروبية على ما من شأنه ان يتشـابه مع أدب صاحب «الثلاثية»، فإن هذا لن يكون الا في أدب الكاتــــب الانكليزي جون غالسورثي صاحب «ملحمة آل فورسايث»، وغـــيرها من الاعمال التي تشبه الى حد ما، في اطاراتها العامة وتوجهاتها الاجتماعية، المناخات التي يبدعها قلم نجيب محفوظ، ولا سيما خلال مرحلته الإجتماعية التي تتمحور من حول «الثلاثية» وما قبلها. ولئن كان الكثير من دارسي أدب نجيب محفوظ وقرائه يرون انه تأخر كثيراً قبل اطلاعه على الآداب الكلاسيكية الفرنسية (الواقعية والطبيعية) فإن ثمة كثراً، في المقابل، من الذين يرــون انه قرأ غالسورثي باكراً. ثم أفليس من المعروف ان غالسورثي نال جــائزة نوبل للآداب وطبقت شهرته الآفاق في 1932، اي تقريباً في الفترة نفسها التي بدأ فيها نجيب محفوظ يكتب الرواية؟ > مهما يكن من أمر، من الواضح ان «الثلاثية» على الأقل تنتمي الى عوالم «ملحمة آل فورسايث» - من دون أن ننسى استيحاءات من رواية توماس مان «آل بودنبروك» -، ذلك السفر الأدبي الذي يرى بعض النقاد انه من الممكن اعتباره واحدة من أجمل الروايات الواقعية التي عرفها النصف الأول من القرن العشرين. وهي بالتأكيد العمل الأكبر في مجال النوع الأدبي المسمى «أدب الملاحم العائلية». وكان غالسورثي نشر العمل مكتملاً بالعنوان الذي صار له على مر السنين، في العام 1922. غير أن القسم الأول من الرواية نشر للمرة الأولى في العام 1906 بعنوان «رجل الملكية» لينشر بعده بدزينة من الأعوام، 1918، فاصلاً قصيراً ينتمي الى أحداث الرواية نفسها بعنوان «صيف هندي لواحد من آل فورسايت» ليعود في العام 1920 وينشر القسم الثاني المعنون «في المحكمة». وفي العام 1920 نفسه كان نشر فاصل جديد بعنوان «يقظة» ليتلوه في العام التالي نشر الجزء الثالث والأخير من الرواية بعنوان «للإيجار». وهكذا إذ اكتمل نشر اجزاء الرواية الثلاثة مع الفاصلين، كان من الطبيعي أن يُجمع هذا كله في تلك المئات من الصفحات التي شكلت «ملحمة آل فورسايت» كحكاية تروي سنوات من مسيرة هذه العائلة، ولكن من خلال ذلك، حياة المجتمع الإنكليزي خلال تلك الحقبة الفاصلة بالنسبة الى التبدلات الذهنية والإجتماعية والأخلاقية التي طرأت على المجتمع البريطاني في ذلك الحين. > بل يمكن القول إن هذه الرواية في أقسامها المتفرقة والتي يمكن لكل قسم منها أن يُقرأ على حدة - كما سيكون حال «ثلاثية نجيب محفوظ» -، إنما يمكن أن تُقرأ كذلك بوصفها تأريخاً طبقياً لمرحلة بأسرها من حياة انكلترا. فالحال أن السيد سومس فورسايت، وهو رب العائلة والشخصية المحورية فيها، كان يعتبر نفسه رجل مُلكية لا يضاهى وذلك بفضل ما راكم من ثروة وأملاك بفعل أعماله التجارية الموروثة من أسرته المنتمية أصلاً الى أعلى الطبقات الوسطى الخائضة المجال التجاري في بلد كان اقتصاده قد بدأ يعيش صعوداً للتجارة على حساب الفروع الإقتصادية الأخرى، وكذلك على حساب المستعمرات التي ما كانت تغيب عنها الشمس. غير أن السؤال الذي لم يكفّ عن إقلاق «رجل المال والمُلكية» الكبير هذا، ظل دائماً هو هو: هل تراني حصلت على السعادة في المقابل؟ إننا منذ القسم الأول الذي تنتقل فيه الهيمنة على العائلة من العمة اللطيفة آن، الى سومس ونكتشف ان هذا الرجل لا يؤمن إلا بتملك الأشياء - وبتملك زوجته بالتالي إذ يريدها له وحده من دون اصدقاء حتى ضمن أفراد العائلة -، منذ القسم الأول هذا نحصل على الجواب. ويتعزز الجواب في الفاصل الأول حين يجابه سومس الصداقة التي تقوم بين زوجته والجدّ العجوز أولد جويلون. أما في القسم الثاني فإن المحور يحمل جواباً إضافياً إذ ها هو سومس يتجابه في المحكمة مع أخته وينيفرد بعدما ورثت هذه 15 ألف باوند لدى وفاة أولد جويلون. ولئن كان الفاصل الثاني يحدثنا عن جون فورسايت ذي الثمانية أعوام وحب الآخرين له، فإن الجزء الثالث والأخير يعيدنا الى العائلة من خلال جون وصار الآن شاباً مغرماً بابنة عمه فلورين، وسط تشابك العلاقات والروابط والمصادر الإقتصادية لدى الجيل الجديد من العائلة، ودائماً على خلفية الحياة الإجتماعية لطبقة تصعد مالياً ولكن مقابل انحدار أخلاقي... > جون غالسورثي الذي رحل في العام 1933، بعد شهرين فقط من حصوله على جائزة نوبل، اعتبر وهو في ايامه الأخيرة ان حصوله على تلك الجائزة انما اتى تعويضاً عن تجاهل النقاد واحتقارهم لانتاجه الادبي. فالحقيقة ان النقاد الانغلوساكسونيين اعتبروا معظم روايات غالسورثي، وكذلك العدد الاكبر من مسرحياته، مجرد بيانات اجتماعية «تنتمي الى ازمان ساحقة ولم تعد تتلاءم كثيراً مع حداثة القرن العشرين». وغالسورثي نفسه كان يرى، على اية حال، انه ينتمي الى القرن التاسع عشر أكثر من انتمائه الى القرن العشرين. ومع هذا، لن يفوتنا إذ نقرأ رواياته العديدة وقصصه ومسرحياته، ان نلاحظ كم انه حديث وصاخب في وقوفه ضد الظلم وضد اكتظاظ المدن بالموبقات والسكان والتلوث، وهذا التفاوت الطبقي الذي ينبني على أساس الملل، وضد الانهيار الحضاري الذي نتج من حلول بورجوازيات المدن الطفيلية مكان الارستقراطيات القديمة. > ولد جون غالسورثي في العام 1867 وتلقى دراساته في هارلو، وفي «الكلية الجديدة» بجامعة اوكسفورد، وكان بوده اول الأمر ان يصبح محامياً. غير ان لقاءه المبكر مع جوزف كونراد دفعه في اتجاه الادب بعدما كان في شبابه المبكر قد عُرف بقراءته الشغوف لروائع الأدب إنما من دون أن يظهر عليه ما يشير إلى أنه سينصرف الى النشاط الأدبي ذات يوم. ومع هذا خاض غمار الأدب لتبقى لديه من دراساته القانونية ملامح وأبعاد (بما فيها عداء لجمودية القوانين) ظلت ترافقه طوال حياته وانعكست في أدبه. اما عمله الأدبي الحقيقي فقد بدأ في العام 1900 حيث تشارك في الكتابة مع زميله غارنت، ثم بدأ ينشر - تباعاً - تلك القصص والروايات التي ستؤلف لاحقاً «ملحمة آل فورسايث»، ومع ذلك فإنه منذ العشرين الاولى في القرن المنصرم كان أصدر مجموعة قصصية بعنوان «من الرياح الاربعة» (1897) كما أصدر في العام 1898 روايته الاولى «جوسلين». وغالسورثي اعتاد على أي حال ان يضع تلك الاعمال الاولى في خانة البدايات التدريبية، والتجارب التي ستقوده الى أدبه الكبير، أدبه الذي ركز فيه على النتائج التي يسفر عنها الفقر على اخلاق الناس وحياتهم، وكان أوله مجموعة قصصية بعنوان «رجل ديغون». اما المجموعة الاولى من مجموعات اسرة آل فورسايث فلم تظهر الا في 1906 كما أشرنا أعلاه. وغالسورثي، في الوقت نفسه بدأ يكتب مسرحيات اجتماعية ناقمة، اولها مسرحية «ظمأ» في العام 1909، ثم تتالت مسرحياته وأبرزها في ذلك الحين مسرحية «العدالة» التي هاجم فيها نظام السجن الانفرادي وأثارت اهتمام وزارة الدخلية، ثم مسرحية «لعبة الجلد» التي حلل فيها الصراع بين صناعي محدث الثراء وارستقراطي عريق. عندما رحل جون غالسورثي خلف وراءه العديد من الاعمال، ومن بينها نص ملحمة اخرى، كتبها على غرار ملحمة آل فورسايث بعنوان «عبر النهر» تتابع مغامرات وحياة ومآسي اسرة تشارولز، وهي أسرة تتألف من ابناء عم للجيل الاخير من اسرة آل فورسايث.