نحن نعيش في ثقافة الوفرة، وهي الثقافة التي تعمي الأبصار عن المتغيرات الاقتصادية العالمية، وبالتالي لا تمكن المخطط من تقدير خطورة ثبات الاعتماد على سلعة وحيدة وإغفال سياسة تنوع مصادر الدخل، وهو الواقع الذي نعيشه من سنوات طوال، وبسبب ذلك العمى تجدنا لا نلتفت كثيرا إلى الصناعات المساندة كأقرب ضرورة تتلازم مع منتجاتنا الأساسية، فبلادنا تعتمد على موردين أساسين هما النفط والتمور. ومن العجيب الغريب أن هذين الموردين لا تقام على هامش إنتاجهما أي صناعة رديفة.. ولم يتم الاهتمام والالتفات لهذا القصور إلى الآن. وكان بالإمكان إنشاء معاهد (لدراسة المنتجين) وبحث ماهية الصناعات الخفيفة التي يمكن لها أن تنهض بالموازاة مع المنتجين، وبالتالي تخريج دارسين مهنيين تقوم مهنتهم على هذين الموردين ليتم تأسيس صناعات خفيفة يمكن لها جذب مئات الأيدي الصناعية المنتجة وامتصاص كم مهول من البطالة. ولكن نحن نسير بغرائبية فاجعة، يتم خلالها إنفاق كل ما في اليد من غير تدبر. هذا الاستهلاك الفاجع شمل كل حياتنا، فلم يعد هناك أي اهتمام بخلق موارد جديدة أو توجيه الشباب لخلق فرص حياتية جيدة مع إحداث مردود مادي صناعي للبلد. ومن يتجول في مدننا في الأحساء والقصيم ونجران سيتنبه مباشرة لمئات الآلاف من أشجار النخيل الواقفة في الهواء من غير أي عناية أو اهتمام، ولو أقيمت شركة مساهمة مهمتها رعاية هذه الثروة وإنماؤها لكان الخير عميما.. لكن الذي يحدث في كثير من المدن إهمال لهذه الثروة، وإن حدث اهتمام فهو اهتمام جزئي، فلو نهضت صناعة مجاورة لربما استطاعنا الانتقال إلى خانة متقدمة في تنوع مصادر الدخل، والأمر ليس متعلقا فقط بمنتجات النخيل، بل تشمل كل منتج زراعي أو بحري أو رعوي.. فهل نحن ممن يؤذن في مالطا؟ فيا وزارة الزراعة، ويا وزارة البترول والمعادن، ويا وزارة الصناعة، أنتم تعلمون أن البترول طاقة نافذة، وبدلا من رشفها على عجل، اخلقوا لنا موارد جديدة من خلال الصناعة بإيجاد صناعات خفيفة من منتجات البترول والزراعة والثروة السمكية والثروة الحيوانية. أم علينا الانتظار حتى يكون الوقت في غير صالحنا ويصبح الأذان في غير وقته!.