الحدائق جنات الله في أرضه، يتمتع بها الناس ويرفهون فيها عن أنفسهم، ويهرعون إليها كلما ضاقت صدورهم أو تعبت أعصابهم فيجدون في رحابها وتحت ظلال أشجارها الراحة والهدوء ويشعرون فوق مروجها ومسطحاتها الخضر وبين أزهارها وورودها بعظمة الخالق ويتأملون في بديع صنعه. وفي أبوظبي تنتشر الحدائق بكل زاوية وركن ولكل منها طابعها الخاص من حيث التصميم والشكل والخدمات المتوفرة، ومن أهم هذه الحدائق وأكثرها شعبية حديقة دلما التي تقع على شارع السلام في بداية كورنيش القرم حيث يؤمها أسبوعياً آلاف الزوار من مختلف الجنسيات والأعراق ليتمتعوا بجمال طبيعتها وخدماتها الترفيهية والرياضية المجانية التي تناسب كافة الأعمار والأجناس. ولحديقة دلما، وهي واحدة من ثلاث حدائق بالعاصمة نالت أخيراً العلم الأخضر، خصائص مميزة زادت من بريقها وجعلتها الأحب إلى قلوب الكثير من الناس، تكاد تكون الحديقة الوحيدة التي تتوفر فيها معظم آلات التمارين الرياضية وملاعب واسعة للرياضات الجماعية ككرة السلة وكرة اليد والتنس وغيرها، إضافة إلى ألعاب الأطفال المتنوعة التي تنمي النشاط الذهني والبدني، طبعاً إلى جانب المساحات الخضر ومئات الأشجار والورود الموزعة بعناية فائقة تضفي على الحديقة جمالاً من نوع خاص. ربما يكون موقع الحديقة من أهم العوامل التي جعلتها مقصداً لكثير من العائلات التي تقطن مدينة أبوظبي، فهي تقع تقريباً في منتصف المدينة وإن كانت تتربع على الواجهة الشرقية وهذا بدوره أيضاً أعطاها قيمة إضافية حيث تطل على كورنيش القرم الغني بأشجاره ومساحاته المائية التي تبعث الراحة والسكينة في النفوس. وتعتبر مساحة حديقة دلما صغيرة نسبياً في حال مقارنتها بغيرها من الحدائق المنتشرة في أبوظبي وضواحيها، لكن هذا الحجم جعلها أكثر حميمية وشجع مرتاديها على التواصل فيما بينهم فجلوس العائلات إلى جانب بعضهم البعض شجع على بناء علاقات صداقة بدأت في ربوع الحديقة واستمرت في خارجها، كما أن الحجم الصغير للحديقة سهل مراقبة الأطفال وملاحظتهم خلال لهوهم ومرحهم بالألعاب، ما يجعل الأهل في حالة اطمئنان تسمح لهم بالتمتع في نزهتهم. وينتشر في الحديقة عدد من المقاعد الخشبية على طول الممرات بينما نجد بعضاً من المقاعد شبه المغلقة والتي يعلوها ظلال من سعف النخيل لتحمي الزوار من أشعة الشمس، ويمتاز هذا المكان بنسيم الهواء الجميل المستوحى من فكرة البيوت الإماراتية القديمة التي كانت تعرف باسم العريش، حيث كان يستخدم فيها القدامى سعف النخيل كأسقف للبيوت فيحميهم من أشعة الشمس ويهب عليهم بنسمات من الهواء التي تقلل الحر والرطوبة. ولا يكتمل الحديث عن الأماكن بمجرد وصفها بشكل دقيق، لأن الصورة ربما تغني عن ذلك وهي أبلغ تعبيراً، فأهمية أي مكان وقيمته تنبع من الانطباعات التي يتركها في النفس، لذلك التقت الخليج بعدد من زوار الحديقة وعادت بالآراء التالية. يصف المهندس محمد الحبسي نفسه بالزائر الدائم للحديقة، ويقول: خلال موسم الشتاء وبعد قيلولة العصر أصطحب أبنائي لهذه الحديقة، فأنا من المحبين للنشاطات الرياضية وقرب الحديقة من منزلنا يشجعنا على ذلك، أقضي وقتي في اللعب مع أطفالي، وفي بعض الأحيان أتركهم يلعبون وأذهب لمشاركة الشباب المتواجدين بالحديقة في لعب كرة القدم، في هذه الحديقة تعرفت إلى عدد كبير من الشباب، وبتنا أصدقاء نمارس بعض الأنشطة داخل الحديقة وخارجها، أي أن حديقة دلما وفرت لي بيئة اجتماعية مناسبة جمعتني مع أشخاص لديهم نفس الهوايات والميول. ويؤكد الحبسي أنه حتى في الأيام الحارة لا ينقطع عن التردد إلى هذا المكان بصحبة العائلة، فالسعادة التي يشعر بها بصحبة أبنائه تنسيه حرارة الجو ورطوبته. مصطفى كيالي يعمل تقني شبكات إلكترونية وجدناه جالساً أمام النافورة الضخمة التي تتوسط الحديقة، يقول: العمل المكتبي، يقتضي الجلوس أمام شاشات الحواسيب الآلية، وهذا الأمر يشعرني بضرورة الخروج وقضاء بعض الوقت بعيداً عن عالم التقنيات والأرقام، وبحكم قرب منزلي من هذه الحديقة كانت الخيار الأمثل، أزورها بشكل مستمر، أجلس هنا أطالع كتاباً، أو أقضي وقتي في التأمل والتفكير، حتى إني في كثير من الأوقات أترك هاتفي الجوال في المنزل، حيث أحتاج للجلوس مع نفسي والحصول على ساعة من الصفاء الذهني. ويثني كيالي على الاهتمام الذي أولته بلدية أبوظبي للمساحات الخضر في الإمارة، ما أدى إلى جعلها من الأماكن المحببة للسكن، مضيفاً أن ما نراه اليوم من اهتمام في الحدائق والمساحات الخضر ينطبق تماماً مع رؤية أبوظبي 0302 التي تسعى إلى تحقيق بيئة سكنية صحية وراقية. تقول سهير فارس طالبة في كلية الخوارزمي الدولية، إن حديقة دلما تشكل لها مكاناً آمناً لممارسة رياضة المشي التي تواظب عليها منذ 7 سنوات، حيث تعتبر الأقرب لمنزلها والأكثر أماناً، كما أنها بسبب مساحتها المحدودة وهدوئها وارتياد سكان المنطقة المحيطة لها جعلها تجمعاً اجتماعياً مميزاً خصوصاً في الطقس المعتدل. أما سمية راشد التي تصطحب ولديها أمجد وعلي إلى حديقة دلما، فتغنيها الحديقة عن اصطحابهما إلى مراكز التسوق حسب قولها، مشيرة إلى أن تعويد الأطفال اللهو في الهواء الطلق بصحبة أقرانهم يعتبر الخيار الأمثل لنموهم صحياً. وتضيف سمية: اعتاد الأطفال في العصر الحالي على الجلوس أمام التلفزيون أو اللعب بالأجهزة الإلكترونية، بينما وجود حديقة بقرب المنزل، خاصة أنها في غاية النظافة والنظام وبوجود أفراد الأمن، جعلها خياراً عائلياً مميزاً للغاية، ما يوفر على أي أسرة مصروفات الألعاب الإلكترونية والكهربائية في مراكز التسوق وغيرها، فضلاً عن تأمين حياة صحية لهم، كما أن الأبرز في ذلك توسطها البنايات السكنية ما يجعلها الخيار الأمثل للعائلات. ويقول توفيق هلال، موظف بإحدى شركات القطاع الخاص وأب لثلاثة أبناء، إن أبوظبي تعتبر من أفضل المدن في العالم التي توفر لساكنيها مجموعة حدائق جميلة الأشكال وتحوي عدداً هائل من الألعاب التي تلبي احتياجات كل أفراد الأسرة وليس الأطفال فقط، وكل ذلك من دون أي مقابل، ما يجعل أغلب العائلات تفضل الخروج إلى تلك الحدائق في أيام الأعياد وغيرها من الأوقات التي يعتدل فيها الطقس ويكون مشجعاً للبقاء خارج الأماكن المغلقة أطول فترة. ويوضح أن المسؤولين عن حديقة دلما في أبوظبي اهتموا بالتفاصيل كافة، حتى يوفروا لروادها أقصى درجات الراحة والاستمتاع بتلك الأجواء، حيث تتوافر المياه الباردة والحمامات العامة والمقاعد المريحة وغيرها من المرافق التي يحتاج إليها المرء خلال تواجده في الحديقة، ولكنها تقدمها مجاناً للجمهور، بما يعكس الكرم الإماراتي الأصيل في مناحي الحياة كافة، والذي يوفر للجميع مستوى معيشياً راقياً من دون تكلفة مادية تثقل أعباءهم. ملتقى عائلي يقول محمد عارفة مندوب علاقات عامة في شركة تجارية: يعتقد البعض أن حديقة في منطقة هادئة كمنطقة معسكر آل نهيان لن تتعدى كونها مجموعة من الأشجار ومقعدين، لكن هذا الاعتقاد الخاطئ سرعان ما يتلاشى بمجرد زيارته للحديقة ليجد أمامه مساحة متكاملة بغطائها الأخضر ومرافقها المتميزة، فأنا وعائلتي نجد فيها مكاناً رائعاً لقضاء أوقات المساء، كما كانت الحديقة سبباً في زيادة علاقاتي الاجتماعية، فمن خلالها تعرفت إلى عدد من العائلات العربية التي تسكن المدينة وهذا بالنسبة لي أمر مهم، عملي كمندوب علاقات عامة لا يترك لي المجال للقيام برحلات طويلة، والوقت القصير الذي أمتلكه سيصبح مشكلة لو اضطررت لقضائه وعائلتي بين جدران المنزل، ولا يتاح لنا الذهاب إلى أبوظبي باستمرار، لهذا كانت حديقة دلما الحل الأنسب بالنسبة لي ولعائلتي حيث أصطحبها إلى الحديقة فيقضي أولادي وقتاً ممتعاً مع أقرانهم أمام ناظري، بينما أستمتع مع والدتهم بساعة من الصفاء.