هذا كتاب جدير بالقراءة. يحكي قصة مسيرة حياة أخي د. نزار عبيد مدني. عثرت عليه مصادفة في مكتبة الصديق محمد سعيد طيب فاستعرته منه. قرأته في جلستين ولم أستطع الفكاك منه حتى أتممته. في لغة سهلة جميلة يحكي لنا د. نزار قصة حياته منذ أن نشأ في المدينة في بيت علم وفضل يراعي الأصول والآداب في التربية، ينادي أخويه الأكبر سنا بسيدي عدنان وسيدي غازي وأخته بأستيتة ثريا (أين منا تلك الأيام؟). ببساطة في التعبير، وجمال في اللغة، ولمحة الصدق التي تلمسها بين السطور، يحكي لنا عن ذكرياته في مقتبل حياته في المدينة، ثم في مصر التي ابتعث إليها لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهناك يمر بنا مرورا سريعا على الصدمة الحضارية التي واجهته مع زميلات الدراسة. يعود بطلنا من القاهرة إلى جدة ليبدأ حياته العملية، يحدثنا في صفحات مثيرة عن تجربته في اختيار وظيفته في السلك الدبلوماسي، وفي اختيار زوجته أم البنين. يحلل الموقف تحليلا جميلا تلمس من خلاله مدى إيمانه بحكمة الله في تسيير الأمور. عل هذا كان أحد المنطلقات لاهتماماته في بعض منعطفات حياته بعلاقة الإسلام بالحياة، والتي قادته لاحقا إلى البحث في نظرة الإسلام إلى العلاقات الدولية. تمضي الحياة بكاتبنا في دروبها، إلى أن يجد نفسه في سفارتنا في واشنطن موفدا للعمل بها. لا يشغله العمل الدبلوماسي عن الاستزادة من العلم فيكافح للحصول على الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية. تلح على فكره في هذه الفترة قضية السمات الشخصية للفرد والأمة فيتساءل «هل من الدقة العلمية في شيء تشبيه الأمة بالفرد من حيث وجود سمات الشخصية» ؟ ولا يترك هذه الخاطرة حتى يشبعها بحثا وتحليلا. يأخذك الكاتب معه في مسيرة حياته العملية وتكوينه الفكري، بين مراحل الجذور، والتحول، والتأسيس، والتأهيل، والانطلاق، والحصاد. ستجد نفسك مشدودا إليه لا تملك أن تفارقه حتى تعرف إلى أين ينتهي به المطاف. هذه ليست محاولة مني لتلخيص الكتاب، وإنما هي تعريف به ودعوة لقراءته.. وهنيئا لأخي د. نزار على هذا السجل الحافل من حياته.