تشكل المنشآت الصغيرة قطاعاً هاماً من الاقتصاد الوطني، كما أنها تقدم نسبة كبيرة من الخدمات للمجتمع، إضافةً إلى كونها تشكل مصدر دخل لفئات كبيرة من المواطنين سواء أصحاب هذه المنشآت أو من خلال فرص العمل التي تتيحها بطريقة مباشرة باستخدام البعض أو بطريقة غير مباشرة من خلال اعتمادها على منتجات المشاريع والشركات الكبرى، ولذلك فإننا نجد دولاً كبرى في مجال الاقتصاد تعتمد على المنشآت الصغيرة في اقتصادها لدرجة اعتماد اقتصاد دول مثل الصين واليابان على تلك المنشآت بنسبة تصل إلى 90% بينما تبلغ في أمريكا 60%، و80% في بعض الدول الأوروبية. وقد نستطيع إضافة أسباب أخرى بضرورة العناية بمثل هذه المنشآت وخاصة خلق الظروف التي تتيح لها الاستمرار والنمو على ضوء فشل العديد منها في غياب ما ينبغي أن يهيأ لها من ظروف النجاح وما يتبع ذلك من تحمل صغار المستثمرين من أصحاب هذه المنشآت تبعات تعثرها وفشلها وما يترتب على ذلك من انقطاع مصادر رزق اعتمدوا عليها أو تحملهم ديوناً وخسائر أكبر من طاقتهم، ولذلك فإنه ينبغي على عدد من الجهات ذات الصلة وفي مقدمتها وزارة العمل ووزارة التخطيط ووزارة الاقتصاد الوطني والشؤون الاجتماعية والغرف التجارية والمؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني؛ ينبغي على كل هذه الجهات دراسة المشاكل التي يواجهها هذا القطاع والعمل على حلها وتوفير الظروف الكفيلة بنجاح هذه المنشآت. وقد أوضح بعض الاقتصاديين في أكثر من مناسبة أهم العقبات التي تواجه المنشآت الصغيرة ومنها عدم توافر دراسات الجدوى التي ينبغي أن تسبق عمل المنشأة وكذلك المنافسة القوية من المؤسسات الكبيرة وولاء المستهلكين لمنتجات هذه المؤسسات وأنشطتها وافتقار أصحاب المنشآت الصغيرة للخبرة في ظروف السوق وأحوالها وعدم وجود التمويل اللازم. وعلى ضوء هذه العقبات فإن أهم الخطوات والحلول التي ينبغي اتخاذها توفير مصادر تمويل لهذه المنشآت سواء بتشجيع البنوك على عدم تجنب تمويل هذه المنشآت بدعوى ارتفاع احتماليات المخاطر المالية أو إيجاد صناديق متخصصة لتمويل هذا القطاع، وكذلك توفير الأراضي اللازمة لإقامة مشاريعها، وتوعية أصحابها والراغبين في دخول مجالاتها بأهمية دراسات الجدوى. قد يقول قائل إن المملكة قد أنشأت صندوقا أو أكثر لدعم تلك المنشآت ومشاريعها ولكن ذلك لا ينفي وجود معوقات أخرى تحتاج إلى القضاء عليها حتى في مجال عمل هذه الصناديق، منها اختلاف المعايير التي يتم تصنيف المؤسسة الصغيرة باختلاف الجهات التي تحتاج المنشآت الصغيرة إلى خدماتها وتراخيصها والتعامل معها لا سيما وأن الإحصائيات تؤكد أن 3.5% من اقتصاد المملكة يعتمد على هذه المنشآت التي ناهز عددها (30.000) ثلاثين ألف منشأة، إضافةً إلى دورها كمحرك أساسي للاقتصاد الوطني ولأنها القطاع الأكثر توليداً للفرص الاستثمارية، خاصةً إذا استطعنا أن نجعلها أكثر كفاءة والتنسيق فيما بينها وبين الشركات الكبرى التي تحتاج إلى مثل هذه المنشآت وخاصةً ما يرتبط بها بصناعات هذه الشركات ومجالات عملها، ولذلك فإن الشركات الكبرى ينبغي أن تكون معنية أيضاً في تطوير هذه المنشآت وجعلها أكثر كفاءة وقدرة على تقديم الخدمات المساندة للشركات الكبرى التي يمكن أن تحول إلى هذه المنشآت أجزاء ثانوية من أعمالها لتتفرغ لما هو أكثر أهمية وذلك بالطبع سوف يُساهم في توطين بعض الصناعات وزيادة المشاركة الوطنية في المنتج النهائي على طريق التحول الكامل ببعض المنتجات إلى الإنتاج الوطني الكامل للسلع كما هو حاصل في بعض المنتجات المحلية المطلوب التوسع فيها وتشجيعها. بقي دور المواطن في تقبل المنتج الوطني وتشجيعه وعدم الانبهار دائماً بالمستورد خاصةً وأن كثيراً من السلع محلية الصنع قد أثبتت قدرتها على منافسة الصناعات الأجنبية ليس من حيث الأسعار فقط بل ومن حيث الجودة أيضاً، ومزيد من المراقبة والمتابعة لتنفيذ شروط اتفاقيات المشاريع التي تنفذها المؤسسات الرسمية والتي تقضي باستخدام المنتج الوطني في جميع مراحل تنفيذ المشاريع لأن ذلك لا يقل أهمية حتى عن اشتراط نسبة السعودة بالنسبة للأيدي العاملة والموظفين.. وبالتأكيد فإننا جميعاً ندرك أن من سبقنا من الأمم والشعوب ساروا على هذا الطريق ووصلوا.. وأنهم لم ينتقلوا ويصلوا إلى ما هم عليه مرة واحدة.. فلماذا لا تسير خطانا على هذا الطريق قوية وثابتة وفي ثقة عالية بالمستقبل؟.