×
محافظة مكة المكرمة

“سيلفي الوداع”.. موظفو بلدية القنفذة مع رئيسهم

صورة الخبر

يمكن قراءة المشروع الإيراني من زاويتين؛ الأولى في الداخل الإيراني، والثانية في الجوار العربي. في الداخل الإيراني لا يبدو أن المشروع الذي استمر حتى الآن ثلاثة عقود ونيفًا بقادر على تحقيق الاستقرار أو حتى انفراج الحريات في حدودها الدنيا، فما زالت الشعوب الإيرانية تعاني من الفاقة في معظم شرائحها الدنيا والمتوسطة، كما تعاني من نقص فادح في الحريات، لقد بنت دولة الأمن المستطاعة، ولم تبنِ دولة المواطنة المأمولة. ويتحكم في المشروع الإيراني برمته شريحة صغيرة في أعلى الهرم، بيدها كل مقدرات الشعوب الإيرانية، وبسبب هذا الاحتكار انتشر الفساد وتعددت مراكز القوى. نجد أن هناك تيارين متصارعين تحت عباءة النظام، ونقول تحت عباءة النظام، لأن الأرجح أن أي خارج من تلك العباءة يعتبر مارقًا ومناوئًا ويجري إقصاؤه أو تصفيته. لدينا التيار الإصلاحي، والتيار المتشدد، كلا التيارين محكوم برضاء أو عدم رضاء شخص واحد هو المرشد الأعلى. إن ما يحدث في إيران هو في الأساس قضية الإيرانيين أنفسهم، وأخذًا بسياق التاريخ في مراحله المتعددة، لا بد في وقت ما سوف تقول الشعوب الإيرانية قولها فيما يجري. قراءة التأثير السلبي لما يحدث في إيران في الجوار العربي ما يعنينا، وهو تأثير له دوافع بصراع إيران مع الدول الغربية الكبرى، وله أيضا دوافع إيرانية محلية، في الأساس قومية، ويوضع كل ذلك للعامة في سياق مذهبي! فالصراع في جوهره سياسي له علاقة بعدم ثقة عالية في بقاء النظام، وخوف مرضي من التدخل الغربي، لأن المشروع نفسه، لم يوضع على قاعدة حديثة لها من المرونة ما يمكن أن تتكيف فيه مع المستجدات في العالم. فالخوف هو أحد الدوافع للتمدد في الجوار، حيث يرى البعض في طهران أنه ورقة مساومة ووثيقة تأمين للنظام ضد التدخل الغربي، أما الدوافع الداخلية فإن ما يجري في الساحة الداخلية بين الفرقاء هو شيء من التوافق التكاذبي بين الأطراف، ويجري تغيير قواعده بين فترة وأخرى، حسب الأشخاص ومصالحهم. فالإيرانيون منذ مطلع القرن الماضي، وثورة «المشروطية» 1906 التي أدخلت إيران في طريق متعرج وطويل للبحث عن دولة حديثة، هي بين تطور صاعد وهابط، إلا أن الأساس فيه أن رجال الدين لعبوا «الدور المرجح للمحافظة» وليس للتقدم، وهو مسار سيبقى معنا لفترة، ولكنها لن تطول؛ فالتشدد جزء من التأمين وطريقة لتعطيل التفاعل الداخلي الذي سوف يأخذ شكلاً صراعيًا، ولكن أيضًا يفرز ديناميات انهياره. تلك بعض الدوافع الخارجية والداخلية التي تجعل من الجمهورية الإيرانية تمد طموحها للخارج في الجوار، تحقيقًا لترحيل الصراع الداخلي أطول فترة، والاستعاضة عنه بصراع خارجي، سهل لهذا الترحيل الرخاوة التي ظهرت في بعض بقاع الأرض العربية في السنوات الأخيرة، مختلطة بسوء إدارة سياسية تاريخي، ليس هنا مكان مناقشته. في الجوار تحدث بعض رجال الجمهورية الإسلامية قبل فترة، عن أن هناك «أربع عواصم عربية» أصبحت تحت المظلة الإيرانية، وهو أمر في واقعه صحيح، إنما الصحيح أيضًا أن تلك العواصم لم تشهد إلا الخراب والتراجع والفساد والحرب الأهلية وأنهارًا من الدم تنزف من أبنائها، ولم يبق في بعضها حجر على حجر. ولأن ذلك ليس ضارا للوضع الإيراني الداخلي فهو دم عربي يسفك بيد عربية، فالنظام في منأى عن الجروح العميقة التي يسببها للعرب. مشروع العواصم الأربع ماذا نتج عنه؟ لنأخذ العاصمة الأولى التي هُيئ للنفوذ الإيراني التمدد فيها من خلال جملة عوامل، وهي العاصمة اللبنانية بيروت، فقد استبدلت السلطة الإيرانية «الحرب ضد إسرائيل» من اليد الفلسطينية، التي يمكن أن تكون مطواعة في فترة، وقد تكون عصية في فترة لاحقة، استبدلت بوكيل محلي مطواع، نما من خلال تواطؤ النفوذ السوري وهشاشة هيكلية في النظام اللبناني، حتى أصبح ذلك النفوذ مهيمنًا على مقدرات لبنان وولوغًا في دماء أبنائه، وبمساعدة من بعض السياسيين الذين يفضلون مغانم «الكراسي» على حساب الوطن، حتى أصبح الترويع في الطائفة نفسها على طريقة «دولة الأمن»، فالشيعي الذي ليس معنا هو من «شيعة السفارة»! أما الذي معنا فيجب أن يسلم أبناءه للقتال! الفشل في هذه العاصمة واضح المعالم، فهو ليس عجزا فاضحا في انتخاب رأس الدولة، بل وحتى عجز فاضح في إزالة القمامة! فأي عاصمة يتفاخر بسقوطها في يدهم متشددو إيران؟! أما العاصمة الثانية فهي دمشق التي كانت «قلب العروبة»، ما هي نتيجة سقوطها في يد المتشددين كما ادعوا؟ هي في الحقيقة تحولت إلى «ضيعة» تفتقد الأمن كليًا وتفتقد حتى مظاهر العاصمة التي تتحكم في البلاد، فرئيسها يدعو من أعلى منبر أن المواطن السوري هو من يدافع عن نظامه وليس من يحمل جنسيته! وحيث ينتشر ملايين من أهلها في بقاع الأرض فرارًا من «الرايات السود والرايات الصفر» فإنهم قد خرجوا عن المواطنة. أما إذا أخذنا العاصمة الثالثة التي يدعى المتشددون أنها وقعت في يد طهران وهي بغداد، فإن القتل فيها يشكل كل يوم عناوين الأخبار، ولا يمر يوم واحد إلا بعدد متزايد من الضحايا الأبرياء، الذين يسقطون في شوارعها، كما أن التقارير الدولية تضع سياسيي بغداد على رأس قوائم الفساد الحكومي في العالم، الذي يزكم الأنوف، فشعبها واقع بين اضطهاد الحكم وتوحش «داعش». وإن وصلنا إلى العاصمة الرابعة وهي صنعاء التي عاث فيها الحوثي ربيب المتشددين في طهران، فأسلمها للخوف والقتل والاحتراب، كما أسلمها للجوع والعطش والفوضى. العواصم الأربع التي وقعت، كما قال المتشددون بفخر، في يد طهران، ذلك حالها الذي وصفنا، حرب أهلية ودماء، فأي مشروع ينتظره أهلها من وقوعها في «الفخ» الإيراني الذي لا يحمل أصلاً مشروعًا لأهله، فكيف يحمل مشروعا للآخرين الذين استخدمهم كحطب الوقود في محاولة لإفهام العامة أنه أولا يدافع عن المستضعفين، أو في إطلاق النكتة السمجة التي تُبكي أكثر مما تضحك، وهي الدفاع عن «محور المقاومة»؟! أي مقاومة سوف تأتي من عاصمة لا تتصرف حتى في زبالتها مع وجود ممثلين للحزب الإيراني في حكومتها؟ وأي مقاومة تتمثل في عاصمة صمتت دهرا من خلال صمت حدودها؟ وأي مقاومة سوف تأتي من الحوثي فاقد الشرعية في بلاده ومسبب الخراب لمدنها، أو من مكان يضج بالفساد والاستزلام في العاصمة الأخرى؟! إذا كان هذا هو المشروع الإيراني، فأي خير يرتجى؟ وأي مستقبل يؤمل؟! آخر الكلام: إيران غير قادرة على إحياء الأساطير الفارسية بوضوح بسبب شعاراتها الإسلامية، وغير قابلة بخيار جذور الإسلام العربي لأنها مشدودة إلى تاريخها في «الاحتلال العربي»، من هنا التشويش غير المسبوق في الاقتراب الإيراني لمحيطها العربي.