يعتقد البعض أن الاختلاف والتنوع بين البشر، ضد التقدم والتطور، وهذا الاعتقاد ليس دقيقا، لأن تعدد مشارب الناس، واختلافهم، أصلٌ وسنةٌ كونية، وُجدت منذ التكوين. لذلك فإن رفض التعدد هو رفضٌ لمبدأ أصيل يقوم عليه الوجود الإنساني. مَنْ ينظر إلى هذا الكون، سيرى أن المخلوقات مختلفة، ومتنوعة بأشكالها، وألوانها، ومسمياتها، وأماكن عيشها ووجودها. كل هذا يدعونا إلى التفكر: لماذا خلق الله هذه المخلوقات، وجعلها مختلفة ومتنوعة؟ لماذا لم يخلقها على هيئة واحدة، وشكل واحد، واسم واحد؟ أليس الله سبحانه بقادر على جعلها بصورة واحدة؟ لكننا نجد إن إرادة الله سبحانه مختلفة عن تفكير البعض، حيث يقول في كتابه الكريم: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)» سورة هود. إذن مَنْ يريد إلغاء التنوع، والتعدد، والاختلاف، فإنه يخالف إرادة الله سبحانه، وليس ذاك الذي يسعى إلى استيعابها، وتقبلها، ويدعو إلى تحقيقها على هذه الأرض. الأمم التي تقبلت حالة الاختلاف، والتنوع، استطاعت أن تؤسس أوطانا وشعوبا قادرة على صناعة حاضرها، ومستقبلها بشكل أفضل مما كانت عليه من قبل، عندما كانت في صراع مع بعضها بعضاً، ما سبّب لها خسائر مادية، وبشرية هائلة آنذاك. كثيرة هي الدول التي مرت بهذه المأساة كدول القارة الأوروبية في فترة «عصور الظلام»، وهو مسمّى يطلق على تلك الحقبة، التي عانت فيها من نير الظلم، وكثيرٍ من الألم. انظر إلى تلك الدول الآن وقد تقبلت حالة الاختلاف، والتنوع الإثني، والثقافي، وتخلصت من عنصريتها كيف أصبحت دولا متقدمة في كافة المستويات الثقافية، والتعليمية، والاقتصادية، والسياسية، والصناعية ..إلخ. هذه الدول اكتشفت سر تطورها، وازدهارها، من خلال تقبل الآخر، والتنوع والاختلاف القائم بينها، والتعامل أيضا مع مواطنيها على أسس المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات، وسيادة القانون، الذي يحمي الجميع دون استثناء أو تمييز بين أحد من مواطنيها. وعليه فإن التنوع والاختلاف الاجتماعي، والثقافي، بين البشر عامل مهم، يساعد الأمم على اكتشاف سر التقدم، والتطور، وليس العكس، بشرط استيعابه وتقبله، إضافة إلى ذلك، إدارة هذا التنوع بما يخدم مصالح البشرية على هذه الأرض، ويحقق لها سبل العيش الكريم.