من يشاهد مسلسل "مبتعثات" لن يصدق أن مخرجته هي ذاتها مخرجة فيلم "وجدة"، فالفرق واضح وكبير بين العملين، بين تماسك "وجدة" وجودته سرداً وإخراجاً وبين تهالك "مبتعثات" وتهافته على مستوى الفكرة والتنفيذ. في الفيلم تجد قوة شخصية المخرجة حاضرة في اللقطة والمونتاج –القطع- والتمثيل وقوة توجيه الفكرة من أول مشهد إلى آخر مشهد، تدفق بصري يروي فكرة مركزة بلا تشتت وبلا وهن هنا أو هناك، بينما افتقد مسلسل "مبتعثات" لكل ذلك وظهر مهزوزاً ومفتعلاً ومشتتاً في خيوطه الدرامية وسيئاً إلى أبعد الحدود في التمثيل وبناء الشخصيات. هذا التباين الواضح بين العملين لاشك سيثير التساؤل حول المخرجة هيفاء المنصور وعجزها عن المحافظة على إخراجها المميز في فيلم "وجدة". فلماذا حصل الاختلاف بين الفيلم والمسلسل؟. إن العارف بواقع الإنتاج الدرامي في المملكة والخليج لن يحتار طويلاً في الإجابة وسيجد أن ما قدمته هيفاء في مسلسل "مبتعثات" هو الأصل وأن ما ظهر في فيلم "وجدة" هو الاستثناء. استثناءٌ لأن فريق العمل الذي شاركها صنع "وجدة" كان فريقاً محترفاً خلق لها المناخ الملائم لكي تبدع وتتقن وتركز على وظيفتها الرئيسية؛ الإخراج. وهذا لم يتوفر لها عندما صورت مسلسل "مبتعثات". عملية تصوير فيلم "وجدة" تمت في أجواء مثالية لا تتوفر كثيراً في صناعة الدراما السعودية، فريق الإنتاج جاء من ألمانيا ليعمل برفقة فريق سعودي محترف في غالبه، وكل هؤلاء كانوا رهن إشارة هيفاء المنصور التي أدارت الفريقين باحتراف ووزعت المهام بدقة لتتفرغ هي لمهمتها الرئيسية وتركز على بناء مشاهدها لقطة بلقطة. لم يكن عليها القلق من مستوى الصوت أو الإضاءة أو التمثيل أو مواقع التصوير لأن خلف كل مهمة هناك طاقم من الفنيين المحترفين الحريصين على إتقان عملهم. هذا الواقع الاستثنائي الذي عاشته هيفاء في فيلم "وجدة" هو الواقع الطبيعي في هوليوود وفي عواصم الإنتاج العالمية، حيث لا يكون على المخرج سوى أن يطلب ما يريد من أعضاء فريقه المحترف وهم ينفذون رؤيته دون أن يشغل نفسه بتفاصيل جانبية، ليكون بمثابة المايسترو الذي يدير عازفيه الموهوبين ويضبط الإيقاع ليخلق الهارموني المطلوب من معزوفته. أما في الدراما المحلية فحتى لو حضر المايسترو البارع فإنه لن يجد أمامه إلا عازفين غير موهوبين لا يجيدون –بل لا يستوعبون- أوامره وطلباته الفنية، وهذا يجبره على الانشغال بتفاصيل صغيرة تجعله غير منتبه لمهمته الرئيسية المتمثلة في بناء حكاية مقنعة ومتماسكة وخالية من الحشو والثرثرة والتناقض. إن أكثر الأخطاء التي تقع فيها مسلسلاتنا تعود بالدرجة الأولى إلى عدم قدرة المخرج على التركيز أثناء التصوير بسبب افتقاره لفريق عمل محترف. عندما يجد المخرج أمامه سيناريستاً موهوباً وممثلاً متمكناً ومدير تصوير ممتاز ومدير إضاءة فناناً ومدير إنتاج محترفاً يوفر كل طلباته ويهيئ له موقع التصوير بكل احتياجاته، فحينها يمكن لهذا المخرج أن يصنع صورة جميلة. مثل هذا الفريق المحترف لن يتوفر في بيئة تفتقر لأبسط متطلبات الصناعة الفنية، حيث لا صالات سينما ولا مسارح ولا عجلة إنتاج تدور طيلة أيام السنة. بيئة فقيرة لن يجد فيها المخرج سوى أنصاف الموهوبين وأرباعهم، ولن يجد هؤلاء الفرصة ليطوروا إمكانياتهم ويحسّنوا أدائهم. هيفاء المنصور صنعت مسلسلها "مبتعثات" في هذه البيئة الفقيرة، وغاب عنها الفريق المثالي الذي ساعدها في "وجدة"، لذا كان من الطبيعي أن يهبط المستوى وتكثر الأخطاء. صحيح أن المخرج هو الذي يضع توقيعه على الصورة النهائية للعمل وهو وحده من يتحمل تبعات العيوب والأخطاء، إلا أنه في المقابل لا يمكن أن نطلب المستحيل من مخرجٍ تزدحم في رأسه آلاف التفاصيل التي لا تعنيه!.