لا تنتهي قصص الشبّان السوريين، الذين تحوّلوا بين ليلة وضحاها من أصحاب طموحات لا محدودة بالمستقبل إلى لاجئين في لبنان، يسعون وراء الحلم بالهجرة. يقول محمد الإدلبي (اسم مستعار) إنه عاد إلى سوريا من الجزائر في 15 مارس/آذار 2011، ليجد الثورة قد اندلعت، وليجد نفسه مشاركا فيها من موقعه ناشطا وصحافيا شابا. ويقول محمد للجزيرة نت أنه بقي يكتب دفاعا عن الثورة من دمشق حوالي عام ونصف، غير أن "الضغط الأمني في العاصمة، بدأ يزداد في يونيو/حزيران - يوليو/تموز 2012، وبدأت الحواجز تنتشر بوتيرة غير مسبوقة، مما حال دون التحرك بشكل آمن للمعارضين المطلوبين، خصوصا المتخلفين عن الخدمة العسكرية". في ضوء ذلك، راح محمد يغيّر سكنه بصورة متواصلة، وبدأت فكرة الخروج تلمع في رأسه. وهكذا كان. ففي أواخر العام 2012، خرج من سوريا بطريقة غير نظامية، لكن مرعبة، كما يقول. العنصريةفي لبنان تجاه السوريين ظاهرة مقلقة للمجتمع(الجزيرة) مغادرة لبنان في البداية، يقول محمد "لم يكن لدي هاجس بالخروج من لبنان، وكنت أظن أن الثورة ستنتصر خلال بضعة أشهر وسأعود. لكن مع الوقت، بدأت أشعر بأن المسألة ستطول. حصلت على عمل منتظم في إحدى الصحف، لأدخر بعض المال. ثم بدأت أفكر بترك لبنان". ويضيف، "جواز سفري انتهت صلاحيته، فأرسلته إلى إدلب لتجديده عبر المناطق المحرّرة. لكن أثناء محاولتي مغادرة لبنان إلى إسطنبول اكتشف الأمن العام اللبناني أن الختم ليس شرعيا، فاعتقلت لساعات ثم أفرج عني كوني صحافيا. ويواصل، والآن بعد القرار الذي صدر الشهر الماضي من قبل وزارة الخارجية السورية والذي يسمح بتجديد الجوازات للموجودين خارج سوريا، وكّلت محامياً وقام بتجديد جوازي بصورة نظامية، بعدما تقاضى ضعفي الرسوم الرسمية". الآن، يقول محمد "عدت لتجميع مبلغ يكفيني للذهاب إلى إسطنبول، إذ لا أريد أن أخرج لاجئا كالمرة الماضية، أريد الخروج من لبنان كما لو أنني أهاجر من سوريا للمرة الأولى، أريد بناء حياتي من جديد". لبنان، حسب محمدّ، "ليس مكانا نهائيا لأي لاجئ سوري، إلا لأنه مفروض عليه". البحث عن جواز سفر قصة محمد حسن لا تقل درامية عن قصة محمد، فإذا كان لدى محمد منذ اللحظة الأولى لدخوله إلى لبنان جواز سفر منتهي الصلاحية، فإن حسن دخل إلى لبنان بلا جواز سفر من أصله، وذلك بعد حرق منزل أهله في درعا، واضطراره لمغادرة البلاد على عجل. دخل حسن لبنان مستخدما هويته، ودون جواز سفر. ومذ ذاك صارت حياته كما لو أنه يقيم في سجن كبير، وفق تعبيره. بدأ حسن العمل بحمل المتاع، على أساس أن إقامته في لبنان لن تتعدى الأشهر الثلاثة. لكن بعد عمله لشهرين حمالا، انتقل للعمل في بعض مطاعم جبل لبنان وبيروت. ثم انتقل في أواخر العام 2013 إلى كترمايا، ليعمل محاسبا لشركة ألومنيوم. يوضح حسن للجزيرة نت "جدّدت إقامتي آخر مرّة في أواخر 2014، عبر الهوية، لكنها انتهت الشهر الماضي، ولم أستطع تجديدها بسبب وضعي المادي. وخلال هذه الفترة صرت أعمل مع المنظمات المحلية والدولية متطوعا في مجال إغاثة اللاجئين في المخيمات. ومنذ فترة قصيرة، بدأت أعمل في الصحافة". جلّ همّ حسن اليوم، كما يقول، أن يجمع المال الكافي لاستخراج جواز سفر نظامي، كي يغادر لبنان، الذي تعرض فيه للاعتقال وللعنصرية. ويختم قائلا بحرقة "أوروبا ليست الجنة أكيد، لكن لبنان جهنم". محمد حسن: أوروبا ليست الجنة تأكيدا لكن لبنان جهنم (الجزيرة) البحث عن الكرامة أما ربيع (اسم مستعار) الذي كان يعمل متعهد إكساء في سوريا، فيقول للجزيرة نت إنه جاء إلى لبنان في أواخر العام 2013، حيث تنقّل بين مهن عدة، فعمل مصلحا للأدوات الصحية، مما أمّن له حياة معقولة مقارنة بغيره من اللاجئين. غير أنه تعرض في أغسطس/آب 2014 لاعتداء جسدي عنيف في إحدى المناطق اللبنانية بتهمة أنه سوري، ويقول "فبدأت التفكير جديا بالهجرة من لبنان. فتقدمت بطلب هجرة من لبنان إلى أي مكان عبر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، لكن لم أحصل على أي جواب حتى الساعة". يوضح ربيع أن "أوراقه كلها شرعية، وأنه ليس ناشطا سياسيا، غير أن المعاملة التي يلقاها من بعض اللبنانيين تشبه المعاملة التي كان يلقاها الأفارقة في جنوب أفريقيا أيام نظام الفصل العنصري". يشدّد ربيع طوال حديثه على أنه لا يريد الهجرة إلى أوروبا لأنه يحبّها ويكره لبنان، بل لأنه يبحث عن الكرامة وحسب. وهو ما يوافقه عليه محمد وحسن.