القاهرة: خالد محمود «الحياة شبه متوقفة في المدينة، الضرب وأصوات الانفجارات وإطلاق الرصاص شبه متوقفة وطرابلس شبه مغلقة، الدوائر الحكومية والمدارس حتى المحلات التجارية بعض الشوارع مغلقة بحواجز إسمنتية.. يعنى البلد في عصيان مدني وحزين». هكذا وصف مواطن من سكان العاصمة الليبية طرابلس المشهد أمس لـ«الشرق الأوسط» واستجابة السكان للعصيان المدني الذي دعا إليه المجلس المحلي للعاصمة لمدة ثلاثة أيام اعتبارا من أمس، بالتزامن مع حالة الحداد الرسمي لمدة مماثلة على أرواح القتلى الذين سقطوا الجمعة الماضي، في مواجهات بين ميليشيات مسلحة ومتظاهرين عزل في ضاحية غرغور بشرق طرابلس. وقالت مواطنة أخرى لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من طرابلس، إن «الإضراب أو العصيان حدث تلقائيا ولو بشكل جزئي، حيث كان الحزن في أرجاء المدينة وأغلقت أبواب معظم المحال التجارية، ومركز تسوق كبير في زاوية الدهماني فتح أبوابه، لكن جرى إغلاقه تحت ضغط الأهالي». ونفذ أهالي وسكان طرابلس ما وصفته وكالة الأنباء الرسمية بالإضراب الجزئي عن العمل احتجاجا على الأحداث الدامية التي شهدتها العاصمة طرابلس الجمعة الماضي وأودت بحياة مئات القتلى والجرحى. وأغلق الكثير من القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة، وبعض المدارس والأسواق الشعبية والمحال التجارية، وخلت تقريبا مختلف الميادين والشوارع الرئيسة داخل العاصمة من حركة السيارات والمواطنين باستثناء المرافق الصحية والمخابز والصيدليات ومحطات البنزين. وعلى الرغم من أن يوم أمس هو يوم عمل عادي في ليبيا، فقد اختفت تقريبا مظاهر الحياة الطبيعية، في حين أقام السكان حواجز معدنية ومن الخشب وإطارات السيارات، كما نظم المئات من سكان العاصمة وقفة احتجاجية أمام مقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان) ودعوا إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار «27» بشأن إخلاء مدينة طرابلس من جميع التشكيلات المسلحة والانضمام تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية والإسراع باتخاذ الإجراءات ضد مرتكبي هذه الأحداث الدامية التي وقعت بالعاصمة خلال اليومين الماضيين. وخصص المؤتمر الوطني، الذي يعد أعلى سلطة سياسية ودستورية في البلاد، جلسته الصباحية أمس لمناقشة الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة، حيث ندد أعضاء المؤتمر في نقاشاتهم بما وقع أثناء تلك المظاهرة السلمية وعدوها جريمة في حق عزل، ووجهوا التعازي لأهالي الضحايا الذين سقطوا أثناء المسيرة. وقال عمر حميدان، الناطق الرسمي باسم البرلمان، إنه جرت مناقشة الآليات وإيجاد الحلول المناسبة بحيث لا تتكرر تلك الأحداث، مشيرا إلى أنه جرى الاتفاق على استدعاء رئيس الحكومة ووزراء العدل والدفاع والداخلية ورئيس المخابرات العامة ومدير أمن طرابلس لمناقشة الأحداث التي وقعت، والتأكيد على تفعيل قرار إخلاء طرابلس من التشكيلات العسكرية. ومع ذلك، فقد نفى مصدر موثوق بمجلس طرابلس خروج أي من أعضائه ضمن الوفد الشعبي الذي توجه مساء أول من أمس إلى مدينة مصراتة، لافتا إلى أن المجلس والمجالس الفرعية الـ13 المكونة له لم يعطوا أي تفويض أو تخويل لأي كان للتفاوض باسمهم أو نيابة عنهم. وفي محاولة لتفادي وقوع حرب أهلية، ناشدت غرفة العمليات الأمنية المشتركة جميع المواطنين عدم الاعتداء على أي مواطن أو عائلة من مدينة مصراتة، وخصصت الغرفة رقم هاتف مختصرا لتسلم أي بلاغات أو اتصالات، مؤكدة أن وجودها هو لحماية المدنيين. وقال بيان لمجلس العاصمة مخاطبا المواطنين: «حرصا على وحدة الوطن ولم الشمل ودرءا للفتنة، وعملا بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف يناشدكم مجلس طرابلس المحلي التهدئة وضبط النفس، وعدم التعرض للأشخاص وإيذائهم وعدم التعرض للممتلكات الخاصة والعامة»، مضيفا: «لنفسح المجال لأهالينا من مختلف مدن ليبيا الذين يبذلون مساعيهم الحميدة لرأب الصدع وإخماد نار الفتنة». وفي قرار مفاجئ من جانب واحد، أعلنت غرفة عمليات ثوار ليبيا حالة الطوارئ لمدة 48 ساعة في إطار ما وصفته بالتنبؤ بالحدث قبل وقوعه وحرصا على سلامة الأرواح وحفظا للنظام العام. وقالت الغرفة، في بيان بثته عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، إنه من المهم للشعب الليبي أن يدرك المرحلة التي يمر بها الوطن، وخصوصا انتشار الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في الأحياء السكنية والمناطق الكثيفة بالسكان. وتعرض مصطفى نوح نائب رئيس جهاز المخابرات الليبية لعملية اختطاف لم تتضح معالمها بعد، حيث قالت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» إنه جرى اعتقاله فور وصوله إلى مطار طرابلس قادما من تركيا. وكان الهاتف الجوال لرئيس المخابرات الليبية سالم الحاسي مغلقا عندما حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال به أكثر من مرة للحصول على تعليق فوري، في حين نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر أمني قوله، إن «مصطفى نوح رئيس وحدة التجسس بالمخابرات اختطف في سيارة أثناء مغادرته المطار، ولم يكن معه حراس آنذاك». كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في المخابرات الليبية تأكيده اختفاء نوح من مصراتة (شرق) على خلفية توترات بين مجموعات مسلحة من مصراتة وطرابلس غداة مواجهات دامية بين المجموعتين. ووسط الفوضى الأمنية التي تشهدها طرابلس بات اختطاف المسؤولين وعائلاتهم أمرا اعتياديا، ويشار إلى أن محمد الابن الوحيد لوزير الدفاع عبد الله الثني ما زال مختطفا منذ الشهر الماضي. بدورها، وصفت حكومة زيدان الانتقالية الوضع الأمني بمدينة طرابلس بأنه «جيد وتحت السيطرة»، مشيرة إلى أن الجهات المختصة التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية قامت باتخاذ كل الإجراءات على أرض الواقع لتأمين المدينة. ونفت صحة الأخبار التي تتداول بشأن قدوم جماعات مسلحة من خارج المدينة. كما حثت الحكومة في بيان المواطنين على توخي الحيطة والحذر من مثل هذه الإشاعات وعدم الانسياق وراءها، والتي تهدف إلى إثارة الفتن والبلبلة وشق الصفوف. وأكدت شروعها في تنفيذ قراري المؤتمر الوطني بشأن إخلاء طرابلس من التشكيلات المسلحة ودمجها في مؤسسات الدولة ووضع الآليات المناسبة لذلك، موضحة أنه وبتكليف من وزارة الدفاع سيجري تسليم منطقة غرغور من قوة الدرع الوسطى إلى اللواء الثاني مشاة التابع لرئاسة أركان الجيش الليبي المنطقة العسكرية طرابلس. وعد البيان العصيان المدني حقا مشروعا وأنها تحترم ذلك كونه وسيلة تعبير ديمقراطية وحضارية، لكنها لفتت في المقابل إلى أن العصيان المدني لا يعني بأي شكل من الإشكال قفل الطرق وعرقلة حركة المرور ومنع المواطنين من الالتحاق بعملهم والطلبة بمدارسهم وجامعاتهم وإجبارهم على البقاء في بيوتهم. في غضون ذلك، أعلنت قوات درع ليبيا الوسطى سيطرتها على منطقة غرغور، وعدها منطقة عسكرية إلى حين وضع آلية لتسليمها إلى مؤسسات الدولة. ووصف بيان للقوات المنطقة بأنها مستقرة وتحت السيطرة، مطالبا أهالي طرابلس بالتعاون مع قوة درع ليبيا لبسط الأمن والأمان. لكن مسؤولين في وزارة الدفاع الليبية نفوا في المقابل لـ«الشرق الأوسط» صدور أي تكليف لهذه القوات التي تنتمي إلى مدينة مصراتة بالسيطرة على المنطقة التي كانت موقع الأحداث الدامية في العاصمة. وأعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي عن تكليف الكتيبة «161» التابعة لمنطقة طرابلس العسكرية بتسلم المقرات التي انسحبت منها التشكيلات المسلحة بمنطقة غرغور وتأمينها إلى حين تسليمها للحكومة للتصرف فيها. وأكدت رئاسة الأركان في بيان أنها قامت بما يمليه عليها واجبها واستطاعتها ووفقا لإمكانياتها، وذلك بتكليف بعض الوحدات التابعة لمنطقة طرابلس العسكرية بالفصل بين الطرفين، التشكيلات المسلحة والمتظاهرين، وكذلك قامت بتأمين المقرات العامة.