جاء في الصحافة أن جهات حكومية بدأت تلجأ لمقاضاة المسيئين لها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ممن ينشرون تغريدات مجافية للواقع ومن بينها وزارة المالية ووزارة العدل ومجلس الشورى وغيرها. أمس كنت أقرأ شريطا على شاشة إحدى الفضائيات مفاده أن السعوديين باتوا يحتلون المرتبة الأولى في العالم في استخدام «تويتر»!! أجواؤنا الإعلامية «قارية» مثل صحارينا وطقسنا، فإما برد قارس .. أو حر شديد!! الارتدادات التي حصلت في المجتمع هائلة، وهذه الأجواء المشحونة جرفت معها قيما ظلت متوارثة في أصول النقد وأساليب النشر، فمن حرية هي الأقل على مستوى العالم، إلى انفلات شديد ليس له مثيل في العالم. غاب عن الرقيب الرسمي أو الاجتماعي أو التيوقراطي أن ثمة وسائل تقنية يحضرها له «الآخر» قادرة على نسف رقابته، وأن تجعل من الإنسان رقيبا على نفسه، ومن بعده الجهات القانونية والقضائية كما هو موجود في كل دول العالم. ما يحصل لدينا عجيب وغريب، فمن رقابة اجتماعية وتيوقراطية ليس لها شبيه في العالم، إلى حرية مفلوتة ليس لها حدود تحركها الأهواء والعصبيات والأيديولوجيات الخفية. مع أعلى سقف للحريات العامة في البلدان العريقة التي صدرت هذه القيم إلى العالم ودافعت عنها بشراسة، يوجد إطار قانوني وقضائي يحفظ حقوق وكرامة وسمعة الطرف الآخر، ويحافظ على دورة توازن المجتمع. أنا مع تفعيل القضاء في تنقية الأجواء ومواجهة المد المسيء، الذي يتجاوز القدر المسموح به في الأعراف الدولية فضلا عن قيم الدين والمجتمع، لكن هل لدينا القدرة على التعامل مع الحريات العامة، ومع هذه القيم الطارئة والمعقدة، وهل ثمة تقنين لهذه المسألة، أم أن الأمر سيكون متروكا للقاضي وفق رؤيته ومخزونه الفكري للحريات العامة، ومنظوره الشخصي لدور الإعلام كسلطة رابعة، أم أن ذلك سيكون سببا لإعادة الرقيب.