مع قرع جرس الإغلاق في البورصة الصينية أمس، ذهب بصيص الأمل الذي كان يتمسك به بعض المستثمرين الصينيين أدراج الرياح، حيث فقد مؤشر شنغهاي 1.7 في المائة، بعد يوم الإثنين الحزين الذي خسرت فيه البورصة 8.5 في المائة من قيمتها، لتواصل سوق الأسهم خسائرها التي بلغت نحو ثلاثة تريليونات دولار خلال أقل من شهر. هذا الأمر لم يتوقف عند الخسائر المادية خاصة لصغار المستثمرين، بل الشك الذي بات يهيمن على الموقف الآن في نجاح الوسائل الحكومية لوقف التدهور الحاصل أم لا، حيث إنه على الرغم من إعلان الحكومة أنها ستواصل تبني سياسة نقدية حكيمة لتحقيق الاستقرار في الأسواق، والتعهد بضخ 8.05 مليار دولار في سوق رأس المال، والإعلان بأن المؤشرات الاقتصادية لا تزال قوية، لم يتحقق الاستقرار المنشود وظلت البورصة تواصل خسائرها، كما هيمنت على الاقتصاديين ورجال الأعمال حالة من القلق والإحباط. من وجهة نظر عديد من الاقتصاديين في المملكة المتحدة، فإن الهزة التي وقعت في البورصة الصينية، قد تكون مؤشرا على حاجة الاقتصاد العالمي إلى وقفة مع الذات، أو الاستعداد للتعامل مع أوضاع سيئة مقبلة، ربما لا تكون بحجم الأزمة الاقتصادية لعام 2008، لكنها بالتأكيد ستمثل تراجعا شديدا لما اعتقدوه أنه بوادر ملموسة لخروج الاقتصاد الدولي من أزمته التي تدق أبواب العام الثامن على التوالي. وهنا، وصف روب ريدل كبير؛ الاقتصاديين في مجموعة لويدز المصرفية، الأمر بأنه "هزة أولية ضخمة"، مضيفاً أن "العالم الآن يتابع بقلق إذا كانت الهزة ستتطور لزلزال أم لا"، مشيراً إلى أن "الزلزال إن وقع فإن أزمة 2008 ستكون بمثابة لعبة مقارنة بالكوارث التي ستحيق بالاقتصاد العالمي حاليا". بدوره، اعتبر الدكتور دونالد سيمون أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة أكسفورد، أن الهزة التي أصابت البورصة الصينية، إذا ما اتسع نطاقها ولم تتم السيطرة عليها، فإن تداعياتها على الاقتصاد الدولي ربما تكون أكثر خطورة من أزمة عام 2008. وقال لـ "الاقتصادية" إن "أزمة 2008 ضربت في الأساس الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور، وإذا كان تأثيرها امتد إلى باقي أرجاء المعمورة، فان تأثيرها في الصين تم احتواؤه إلى حد كبير بسبب صلابة الاقتصاد الصيني، لكن إذا تعرضت الصين الآن لهزة اقتصادية عنيفة وامتدت الموجات الارتدادية لتلك الأزمة إلى الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور، فسنشهد كارثة حقيقية، لأن الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور لم تستعد توازنها أو عافيتها بعد، وتبدو كمريض لا يزال في غرفة الإنعاش، وأي قليل من البرد قد يؤدي إلى مضاعفات قاتلة". فيما رأى كيفن جيمس؛ المحلل في بورصة لندن، أن الأمر يتطلب مزيدا من التمهل لمعرفة الصورة النهائية، وتحديد أسباب الانخفاض السعري في البورصة الصينية. وأضاف لـ "الاقتصادية" قائلا، "علينا أن نعرف أسباب الهزة التي ضربت البورصة الصينية أولا، رغم الجهود الحكومية لإنقاذ الأوضاع المتدهورة أخيرا، فإذا كان سبب عمليات البيع الكثيفة للأسهم هو رغبة المستثمرين في جني الأرباح إثر الضخ الرأسمالي الكثيف للحكومة الصينية في البورصة، فإن الوضع لن يكون شديد السوء". وأضاف، أن "المشكلة أو الكارثة ستحدث إذا كانت عملية البيع في البورصة منبعها قناعة المستثمرين أن الاقتصاد الصيني في أزمة رغم المليارات التي ضخت في الأسواق أخيرا". إلا أن آخرين يعتقدون أن تلك المخاوف من قبل المستثمرين الصينيين مرجعها الأنباء التي تفيد بأن صندوق النقد الدولي يضغط على بكين لإلغاء الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لإنقاذ البورصة من الانهيار الذي حدث فيها قبل أسابيع، إضافة إلى بيانات أسوأ من المتوقع بخصوص الأرباح في الشركات الصناعية الصينية. فيما تفتح الأنباء الخاصة بضغوط صندوق النقد الدولي على الصين، المجال، إلى إيمان البعض بأن ما يحدث في الاقتصاد الصيني حاليا يدخل في إطار مؤامرة كبرى تتعرض لها البلاد اقتصاديا. ومن هؤلاء الدكتور تشين جي؛ أكاديمي صيني يعمل مستشارا لعدد من المؤسسات الاستثمارية الصينية، الذي اعتبر أن هناك مخاوف من قبل دوائر أمريكية على حد زعمه من قيام صندوق النقد الدولي بإعلان العملة الصينية عملة دولية تضاف إلى احتياطات الصندوق، وتأثير ذلك في قيمة الدولار الأمريكي. وبين خلال استضافته هيئة الإذاعة البريطانية للتعليق على أسباب التراجع الحاد في البورصة الصينية، أن هذه الدوائر تعمل عبر وسائل الإعلام على الترويج أن الحكومة الصينية سترفع تدخلها في إدارة العملية الاقتصادية، ودعمها البورصة بشكل مفاجئ، ما سينجم عنه "دوامات اقتصادية"، ما دفع - من وجهة نظره - بالمستثمرين إلى التخلص من الأسهم للاحتفاظ بسيولة مالية للتعامل من التطورات المستقبلية". وتعد قضية الديون الداخلية في الصين وتأثير الأزمة الراهنة في قدرة الشركات الصينية المسجلة في البورصة على سداد ديونها الداخلية والخارجية، تعدان أحد أبرز المخاوف الراهنة إذا تفاقمت الأزمة، حيث دفع انتعاش البورصة خلال العام الماضي، بعديد من صغار المستثمرين إلى الاقتراض من المصارف للاستثمار في سوق الأسهم. أما الآن مع تعرض البورصة للخسارة، فإن المستثمرين لن يكونوا قادرين على سداد ما عليهم من ديون داخلية، وإذا تزامن ذلك مع مزيد من الانهيار في الأسعار فإن الشركات المسجلة في البورصة ستواجه خسائر فادحة، ما سيجعلها عاجزة عن سداد ديونها سواء كانت لمصارف صينية أو دولية. ومع إدراك حكومة بكين حساسية الوضع، فإنها اتخذت إجراءات سريعة ومكثفة لتدارك الموقف وللحيلولة دون مزيد من تدهور السوق، إذا تم تجميد الاتجار في عديد من أسهم الشركات الصينية، كما قام البنك المركزي الصيني بالتدخل عبر شراء أسهم بعض من الشركات والمؤسسات التي تمثل العصب الأساسي للاقتصاد الصيني، وألزم أي مستثمر لديه أسهم بما يعادل 5 في المائة من أسهم شركة ما بعدم طرحها للتداول لمدة ستة أشهر. ومع هذا، فإن باحثين في البورصة البريطانية توقعوا فشل تلك الإجراءات، ومن بينهم والتر نايت؛ نائب رئيس قسم التحليل المالي في بورصة لندن، الذي اعتبر أن تلك الإجراءات لن تمنع البورصة الصينية من الانهيار، وإنها في أفضل تقدير قد تحد من سرعة السقوط. وقال لـ "الاقتصادية"، إن "السبب الرئيسي لتراجع قيمة الأسهم الصينية هو أن أغلبها مقيم بأكثر من قيمته الحقيقية، فخلال عام واحد، ارتفعت قيمة البورصة الصينية بنسبة 150 في المائة، والآن ومنذ أواخر شهر حزيران (يونيو) الماضي وحتى الآن خسرت 30 في المائة من قيمتها، أي أن سوق الأسهم الصينية خسرت نحو ثلاثة تريليونات دولار خلال أقل من شهر". وأضاف، أن "الأسواق تقبل بالتقييمات المبالغ فيها وتتعامل معها، وهي تعلم أن الأسهم مقيمة بأعلى من قيمتها، طالما ظل الوضع الاقتصادي العام لا توجد فيه مخاطر وظلت معدلات النمو مرتفعة، ولكن بمجرد الإعلان عن الأرقام الحقيقية للأداء الاقتصادي، أو ظهور مؤشرات واقعية بأن معدل النمو الاقتصادي سيتراجع، أو أن الحكومة سترفع الإجراءات التي تتبناها لدعم البورصة، فإن الفزع يدب بين المستثمرين خاصة صغارهم في محاولة للقفز من السفينة قبل أن تغرق، إلا أنهم خلال تدافعهم يغرقون وتغرق السفينة معهم، وهذا يمكن أن يحدث في الصين". وأضاف، أن "الأسواق ستصحح نفسها بنفسها، وإذا أسرفت الحكومة في تدخلها بدعوى منع مزيد من الخسائر في البورصة، فإنها قد تفلح في حل الأزمة في الأمد القصير، لكن على الأمد الطويل ستظل المشكلة قائمة، وتتكرر مستقبلا وربما بصورة أكثر عنفا وحدة على الاقتصاد الكلي".