كنا نظن أن كوكبنا الأزرق الصغير مثالي للحياة ومصمم بطريقة تجعل الحياة مزدهرة عليه ومستمرة، ولكن بعد 20 عاماً على اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية، يبدو أن الأرض ليست فريدة من نوعها ولا أكثر مثالية للعيش من غيرها فهناك كواكب أفضل منها بكثير في هذا الكون بل إن العلماء باتوا يعرفون تقريباً مواصفات ما أسموه مجازاً الجنات المثالية القابلة للعيش. ولعل أحدث اكتشافات وكالة الطيران والفضاء الأمريكية ناسا يعزز الآراء في هذا الاتجاه. والاكتشاف هو كوكب جديد قريب في حجمه من الأرض ويبعد عن شمسه بمسافة تشابه المسافة التي تفصل الارض عن الشمس مما يعزز من احتمالات وجود الماء فيه. والمسافة التي تفصل الكوكب الجديد، الذي اطلقت عليه ناسا اسم كيبلر 452B،عن شمسه تسمح له بأن يتمتع بطقس معتدل مما يزيد من احتمالات وجود الماء على سطحه وهو العنصر الاساسي لوجود الحياة. عموماً، الكوكب المثالي ينبغي أن يكون، حسب رأي العلماء، أكبر بمرتين من الأرض ويدور حول نجم قزم برتقالي، مع وجود جاذبية أعلى، ويقولون إن هذا هو باختصار المكان الذي يمكن للإنسان العيش فيه في أفضل الظروف.الأخبار الجيدة حسب هؤلاء تقول: إن هذا النوع من الجنات يعد بالمليارات في الكون، ويرى العلماء أن هذه المواصفات ستوفر للإنسان حياة رغدة هانئة حيث لا ثلوج ولا أمطار ولا برد ولا حرارة فالكل يشعر أن النسيم العليل يهب عليهم من كل مكان ورياح المحيطات تجلب لهم الهواء المنعش، هذا الوصف ربما يشبه المواصفات التي أعطاها هوميروس للجنة بوصفها ربيعاً سرمدياً. كيف ينظر العلماء إلى هذه الأماكن التي يصفونها بالجنات؟ الباحثان الكندي رينيه هيلر، من جامعة ماكماستر (أونتاريو) والأمريكي جون أرمسترونغ من جامعة ويبر (يوتا) يقولان: الجنة وصف أطلقناه على كوكب فردوسي أكبر من الأرض ما بين 2-3 مرات، ويدور حول شمس أصغر ب 30٪ من شمسنا وتغطي أراضيه مساحات شاسعة من الخضرة وسلسلة من الجزر على مد البصر ويحوي بحراً دافئاً وشلالات مياه عذبة وطقساً معتدلاً تتحكم فيه مجموعة من البحار وكل شيء فيه مغمور بضوء برتقالي محمر دائم وشفاف. على الرغم من أن هذا المشهد يبدو مألوفاً لنا نحن سكان الأرض لا سيما عند مغيب الشمس، إلا أنه ربما يصيب البعض بالدوار فهذا الكوكب لم يصور من قبل أي مركبة فضائية أو يستدل على وجوده من خلال البيانات التي جمعت بواسطة تلسكوب معين. ولكنه في نفس الوقت ليس ضرباً من الخيال، إنه أول وصف علمي لكوكب فائق قابل للعيش وتتويجاً لمنطق يطرح تساؤلاً عن كل خاصية جيوفيزيائية من خصائص هذا الكوكب بغية رسم صورة متكاملة لعالم يمثل أفضل الظروف لظهور الحياة وتطورها بل إنه أول علامة ملموسة لتغيير عميق لمنظور يتعلق بالمكان الذي نحتله في هذا الكون. ولكن في النهاية ما العالم الذي نتطلع إلى العثور على حياة عليه؟ هذا السؤال يوجه كافة الأبحاث منذ اكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية في العام 1995 وحتى قبل ذلك على حد قول فرانسوا فورجيه، أحد كبار المتخصصين في مناخات الكواكب، في معهد بيير سيمون لا بلاس، ويضيف فورجيه أن السؤال الذي يتعلق بالسمات الجيوفيزيائية الضرورية للحياة مطروح منذ العام 1950، وكذلك مفهوم المنطقة القابلة للسكنى، أي المكان الذي يتلقى فيه كوكب صخري كمية كافية من الضوء من نجمه للحفاظ على الماء السائل على سطحه. المقياس الذي اعتمد عليه لتقييم مبدأ قابلية السكنى على الكواكب الخارجية يستند إلى عالمنا الأرضي، ولكن اليوم وبعد أن تم الكشف عما يقرب من 2000 كوكب خارج النظام الشمسي، يقول علماء الفلك إن العوالم الواقعة خارج المجموعة الشمسية أكثر تنوعاً مما كانوا يتصورن، فالأرض ليست سوى واحد من أنواع الكواكب الصالحة للسكن من بين عشرات الكواكب الأخرى التي يتم بناء نماذج لغلافها الجوي ومناخها وجيولوجيتها بواسطة تقنية المحاكاة الرقمية. ولكن كان كل من رينيه هيلر وجون أرمسترونغ، أول من تحرر من فكرة الاعتماد على الأرض كمقياس لقابلية الحياة وبدآ من الصفر عبر تجميع كل الدراسات التي أجراها علماء الكواكب وربطها بمسألة مهملة حتى الآن، وأشير إليها في العام 1993، وهي الزمن. يقول الباحثان: بنيت فكرتنا حول مفهوم طول العمر كمعيار أساسي لقابلية السكنى، وذلك لسبب بسيط وواضح وهو أنه لا بد من مدة زمنية كي تظهر الحياة وتتطور، والحالة الوحيدة للأرض تعطي حقاً أرقاماً مذهلة فإذا أظهرت تحاليل نظائر الرواسب أن واحداً من أشكال الحياة البدائية وجد بالفعل قبل أقل من مليار سنة بعد تشكل كوكبنا، فهذا يعني أنه كان لا بد من الانتظار ملياري عام أي أطول بمرتين كي تظهر الكائنات الأولى متعددة الخلايا. وانطلاقاً من هذه الرؤية، أسس الباحثان طريقة تتمثل في وضع قائمة لشروط لظهور الحياة على كوكب ما وضبط العمليات الجيوفيزيائية كي تمتد لأطول وقت ممكن. بدأ الباحثان من مصدر الطاقة المتوفرة، فحتى تظهر الحياة، لا بد من وجود نجم يجلب إلى الكوكب الضوء وكلما كان النجم أصغر حجماً كانت مدة حياته أكبر والنجوم القزمة في هذا الصدد تستهلك وقودها من الهيدروجين بشكل أبطأ الأمر الذي يزيد من طول عمرها، ويوفر المزيد من الوقت لظهور الحياة وتطورها على حد قول رينيه هيلر. ويضيف هيلر أن النجوم القزمة الحمراء، التي يبلغ حجمها نصف حجم الشمس، تطول مدة حياتها لعشرات المليارات من السنين مقابل عشرة مليارات سنة لشمسنا. لكن هذه الأقزام الحمراء لها عيوبها أيضاً، فهي تصدر دفقات من أشعة إكس والأشعة فوق البنفسجية الضارة لتطور الأحياء بالإضافة إلى ذلك فإن درجة سطوعها المنخفضة تجعل منطقتها القابلة للسكن قريبة منها، بحيث إن الكواكب ستكون قريبة من مناطق دفقات البلازما الصادرة عنها. وفي الحقيقة، فإن أجراماً أخرى توفر وسطاً مثالياً مثل الأقزام البرتقالية التي يشير إليها المتخصصون بالحرف K. تتميز هذه النجوم بكتلة وسيطة بين الأقزام الحمراء والشمس، وتجمع كل المزايا، إذ لها مدة حياة تبلغ 20 مليار سنة ونشاط معتدل. ويقول جون أرمسترونغ إن الدراسات حددت الحد الأدنى لكتلة الكوكب التي يجب أن تبلغ 0.07 كتلة أرضية للحفاظ على حقل مغناطيسي خلال 4.5 مليار سنة. ومع ذلك، فإن كتلة الكوكب إذا قلت عن كتلة الأرض، فإن الغلاف الجوي ربما يكون أضعف من أن يلعب دوره المنوط به. ولكن لا يزال من الضروري أن يتواجد على هذا الكوكب الماء السائل، الذي يعتبر ذا خصائص فريدة من نوعها (درجة تفاعل كيميائي عالية - القدرة على تشكيل روابط هيدروجينية واستقرار للجزيئات الكبيرة) ما يجعله أفضل المذيبات. ويلخص فرانسوا فورجيه الأمر بالقول: لا يمكننا تخيل وجود كيمياء أكثر تعقيداً من كيمياء الكربون في الماء السائل. لا أحياء بلا ماء لولا وجود الماء السائل، لما تشكلت الكربونات ولتكدس ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ليصل في بضعة ملايين من السنين إلى مستوى كاف لتوفير درجات حرارة رحيمة (مناسبة) ويبدو أن مسألة ما إذا كان هذا الثرموستات أمراً لا مفر منه كي يكون كوكب ما صالحاً للسكن لم تحل بعد ولا ما إذا كان من الممكن أن يعمل هذا الثرموستات من دون وجود حركة تكتونية. ويرى الباحث جيريمي لوكونت أن الحالة الراهنة الآن تشير إلى أن رينيه هيلر وجون أرمسترونغ وضعا شرطاً مهماً يفترض أن يمتلك المسكن الفائق الصالح للحياة ألواحاً تكتونية قابلة للحركة. 3 شروط يؤكد جيرمي لوكونت، من المعهد الكندي للفيزياء الفلكية النظرية أن النجوم القزمة البرتقالية يمكن أن تكون الأمثل للتوافق مع متطلبات الحياة. وبالانتقال إلى الكوكب الذي يدور حول القزم البرتقالي يتفق علماء البيولوجيا الفلكية على شروط ثلاثة ضرورية للحياة عليه، إذ يجب أن يتوفر فيه سطح صخري يحقق له الاستقرار في النظام الكيميائي الحيوي، وينبغي أن يكون له غلاف جوي ضروري للحياة على السطح،ويجب أن يكون محاطاً بحقل مغناطيسي قادر على منع الأشعة الكونية والانفجارات النجمية من تجريده من الغلاف الغازي. ولكن ما أنواع العوالم التي توفرها لنا الشروط الثلاثة؟ الواقع أن كل شيء يشير إلى أن المسألة تتعلق بالكتلة،فالكواكب الثقيلة تصبح غازية لأنه عندما تصل كتلة الكواكب إلى عشرة أضعاف كتلة الأرض، فإنها تجذب إليها الهيدروجين وغاز الهيليوم بشكل لا يقاوم ليحيطا بالنجم بعد الولادة. ويقول كورتني درسينج المتخصص في الكواكب خارج المجموعة الشمسية في هارفارد: تمكنا من حساب كثافة عشرة كواكب تقع خارج النظام الشمسي، ووجدنا أن الكواكب التي تزيد كتلتها على ست كتل أرضية فإن نسبة الهيدروجين والهيليوم فيها كبيرة وبالتالي فهي غازية. ضحالة المعلومات السؤال الذي يطرح نفسه: كم من هذه النجوم القزمة البرتقالية المثالية يوجد في مجرتنا؟ الواقع أنه حتى الآن لم يتم اكتشاف ولا واحدة منها، لكن الباحث أرمسترونغ أجرى عملية حسابية ووجد أنها تمثل 12.1 % من النجوم، ويوجد منها 24 مليار نجم في درب التبانة فقط، أي أن ثلث هذا العدد يمكن أن يحوي كوكباً تتراوح كتلته ما بين 2-3 كتلة شمسية في منطقة هذه النجوم القابلة للعيش، وهذا يرفع عدد الكواكب الفائقة القابلة للعيش في مجرتنا إلى 5 مليارات كوكب. ولا شك في أن هذه الدراسات ليست نهائية،فلا يزال هناك بطبيعة الحال العديد من الافتراضات والشكوك. تقول سارة سيغر، المتخصصة في هذا المجال في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا:عندما ننظر في الأدب العلمي نستوضح الكثير من الأمور ونقيضها، وبعبارة أخرى نقول: مهما قلنا نجد أننا في النهاية لا نعرف شيئاً، فصحيح أننا لدينا ثقة بنماذجنا، لكننا نخطىء بالضرورة إلى حد ما، ولذا نحن بحاجة إلى إجراء المزيد من القياسات، والحصول على أطياف لأجواء هذه الكواكب للتحقق من أن الحدود التي وضعناها صحيحة. وتضيف سيغر أنه سيتم توجيه التلسكوبات الفضائية في عام 2018، لهذا الغرض، فمثلا سيرصد التلسكوب JWST الغلاف الجوي لأكبر الكواكب الصخرية، في حين سيرصد التلسكوبان ARIEL و WFIRST، إذا تم اختيارهما، في العام 2020 أقرب الكواكب الخارجية. وفي ما يتعلق بالمعطيات التي جمعها التلسكوب كيبلر، فإن 4607 إشارات لم تتم دراستها بعد، فالأغلبية القادمة من هذه الإشارات كواكب خارجية لا نعرف عنها شيئاً. مواصفات كتلة الكوكب الفترة التي يحتاجها الكوكب ليكون قادراً على امتلاك حركة تكتونية تزيد مع ارتفاع مقدار الكتلة، فكلما كانت هذه كبيرة ازداد حجم قلبه وازداد مقدار الحرارة المختزنة فيه أثناء تشكله. وتظهر نماذج المحاكاة أنه بدءاً من 5 كتل أرضية يصبح الضغط داخل منطقة الوشاح عالياً إلى درجة أن اللزوجة لا تسمح مطلقاً للصفائح بالانزلاق. ويصل الباحث رينيه هيلر إلى استنتاج مفاده أن الأفضل من وجهة النظر التكتونية أن تتراوح كتلة الكوكب بين 2-3 كتل أرضية، أي أن قطر الكوكب المثالي يفضل أن يكون أكبر بنحو 20-30 % من قطر الأرض، ويدور حول نجم من النوع k ويبعد عنه مسافة تقدر ما بين 0.25- 1.3 وحدة فلكية. ويحاول الباحثان رينيه هيلر وجون أرمسترونغ، تزويدنا بالمزيد من أوصاف هذا الكوكب المثالي بالقول: نتيجة لجاذبيته التي ربما لا تكون لطيفة للغاية نظراً لكتلة الكوكب، فإن تسارع عجلة الجاذبية عليه ستكون أعلى ب 1.4 و 1.8 مرة من عجلة الجاذبية على الأرض، وبعبارة أخرى، فإن رجلاً يزن 70 كلغ على الأرض سيزن ما بين 97 كلغ و 125 كلغ على هذه الكوكب. فضلاً عن ذلك، ينبغي أن يكون الكوكب محاطاً بغلاف جوي أكثر سمكاً من غلاف الأرض الجوي، وبالتالي ينبغي أن تكون ظاهرة التعرية والتآكل عليه أكبر مما هي عليه في الأرض، ما يعني أن سطحه ينبغي أن يكون أكثر تسطحاً، ما يعزز عليه صفة القابلية الفائقة للعيش نظراً لأن مناخه سيكون أكثر اعتدالاً ورطوبة. ويصف جون أرمسترونغ هذا المشهد مضيفاً: يمكننا تخيل وجود قارات مجزأة لا صحراء فيها ولا مناطق متجمدة تفرقها، بل توجد سلسلة من البحار قليلة العمق وأكثر ملاءمة للتنوع الحيوي.