مع إعلان اللجنة الوطنية للانتخابات أسماء القوائم الانتخابية، بدأ العد العكسي لانطلاق الدورة الثالثة لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي المتوقع إجراؤها في الثالث من أكتوبر المقبل، تماشياً مع تقليد بدأ في شهر ديسمبر 2006 حين أجريت أول تجربة انتخابات جزئية في الإمارات تنافس فيها مئات المرشحين على 20 مقعداً، وفقا لآلية تضمنت انتخاب نصف عدد أعضاء المجلس الوطني من قبل هيئات انتخابية يرشحها حاكم كل إمارة، وتعيين نصف الأعضاء الآخرين، بأفق حددت غايته الوصول بالبلاد إلى عملية انتخابية كاملة. لمحة تاريخية وقبل ذلك التاريخ، كان اختيار الأعضاء يجري بالتعيين مباشرة من قبل مجالس حكام كل إمارة، وفقا للمادة 69 من دستور الإمارات عام 1971 ترك لكل إمارة تحديد طريقة اختيار المواطنين الذيـن يمثلونها في المجلس الوطني الاتحادي ضمن العدد المحدد لها. وكان لهذا الترتيب في ذلك الوقت ارتباطا وثيقا بفكرة بناء الاتحاد. فالمجلس الوطني الاتحادي يشكل إحدى المؤسسات الدستورية الاتحادية الرئيسية الخمس، ومساهمته كانت أساسية في بلورة المشروع الاتحادي الذي أراد له الآباء المؤسسون النجاح، والتأسيس لعلاقة متميزة بين السلطات الاتحادية والمحلية. ومع طي مرحلة التأسيس والانتقال إلى مرحلة جديدة من التمكين السياسي في عام 2005، ستبقى هذه الخصوصية السياسية التي ساهمت في توفير الاستقرار والازدهار للتجربة الاتحادية حاضرة، في تزاوج بين الحفاظ على القيم والتقاليد وترسيخ نهج الشورى، وتلبية متطلبات العصر في دخول معترك الحياة النيابية. وتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي الذي شكل أبرز سمات المرحلة الجديدة، أخذ بمنحى التدرج السياسي في توسيع قاعدة المشاركة من خلال زيادة أعداد الهيئات الانتخابية في كل إمارة، ضمن ما هو متوافق عليه، وهو ما ترجم في انتخابات عام 2011 بزيادة تمثل 300 مضاعف العدد المخصص لكل إمارة بحد أدنى بدلا من 100 مضاعف، وبدون سقف أعلى، مما أتاح توسيع المشاركة من 6,595 مواطن ومواطنة في الدورة الأولى إلى 224.279 عام 2015. إحصاءات لافتة ومع إعلان القوائم الانتخابية بات المجال مفتوحاً في الثالث من أغسطس المقبل لأي عضو في الهيئات الانتخابية الآن لترشيح نفسه للمقاعد المحددة للإمارة التي يمثلها في المجلس الوطني الاتحادي في حال توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في الدستور، وهي شروط بسيطة للغاية تقتضي أن لا يقل سن المرشح عن 25 سنة ميلادية، وأن يكون متمتعا بالأهلية المدنية محمود السيرة، وأن يكون لديه إلمام كاف بالقراءة والكتابة، وأن يقدم طلب الترشح خلال المدة المقررة، وإيداع مبلغ 1000 درهم. وكما في كل مرة تعلن فيها القوائم الانتخابية ويفتح باب الترشيح، تنطلق نقاشات واسعة في الصحف الإماراتية، يتحدث بعضها عن إيجابيات الزيادة العددية في القوائم الانتخابية بنسبة 66%، لا سيما الزيادة في نسب مشاركة الشباب والإناث فيها. وهذه الزيادة، والتي تمثلت بنمو في أعداد الناخبين بنسبة 66% من 135,308 عام 2011 إلى 224,279 مواطنا ومواطنة يحق لهم التصويت والترشح، تبقى جيدة، ويتوقع رئيس اللجنة البرلمانية المؤقتة لمناقشة موضوع سياسة وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، أحمد عبيد المنصوري، أن تشهد الانتخابات المقبلة مشاركة تصل إلى 60% من إجمالي الذين يحق لهم الانتخاب. وكانت أبرز سمات القوائم الانتخابية هذا العام، ارتفاع نسبة المشاركة الشبابية ذات الفئة العمرية ما دون 40 عاما والتي شكلت نسبة 67% من إجمالي الذين يحق لهم التصويت، إلى جانب فئة النساء التي ازدادت إلى 48%، وهو ما يعكس الحرص على تمكين هاتين الفئتين، وهذا تواجد قوي للمرأة في الهيئات الانتخابية التي يرشحها حكام الإمارة ومشاركتها كناخبة. تحديات التجربة بعد مرور تسع سنوات على سعي الدولة إلى موازاة التحديث الاجتماعي والنمو الاقتصادي بخطوات من التطوير السياسي، ما زالت ماكينة التحولات تسير متمهلة، وقد يكون قد ازداد الحذر الآن لدى البعض في ظل ما تشهده المنطقة من أوضاع سياسية متفجرة وتجارب سياسية عززت من الانقسامات والتفرقة، خصوصاً وأن الدولة الاتحادية فتية والتجربة البرلمانية حديثة والمنطقة محاطة بأحداث مشتعلة. مع ذلك، يبقى أن التجربة انطلقت والانتخابات تراكم الخبرات، والتوصل إلى مجلس يعبر عن إرادة شعبية في المواطنة يبقى في صلب مشروع الدولة الاتحادية، ويشكل سندا لها. شرائح واسعة من المجتمع الإماراتي تأمل أن تتطور هذه التجربة. عن المرأة نسبة الإناث داخل الهيئات الانتخابية كانت تزداد تباعا على مدى الدورات المتتالية من نسبة 17.6% عام 2006 إلى 46% عام 2011 وصولا إلى 48% أخيرا، وقد تجاوزت هذه النسبة بشكل لافت هذا العام نسبة الذكور في الهيئات الانتخابية لكل من إمارتي أبوظبي ودبي حيث بلغت في أبو ظبي 47% ذكور مقابل 53% إناث.