لا تعتبر أزمة النفايات في لبنان أزمة مستجدة، ومتتبعو القرارات الحكومية بشأنها منذ عام 1994، لا يتفاجأون بما آلت الأزمة إليه اليوم. ففي ذلك العام، وقع مجلس الإنماء والإعمار، وهو مؤسسة تابعة لمجلس الوزراء، عقدا مع شركتي سوكلين وسوكومي، لكنس النفايات وجمعها ومعالجتها وطمرها، ضمن بیروت و225 بلدة وقریة في محافظة جبل لبنان، مقابل أن تؤمن الدولة اللبنانية الآليات والحاويات اللازمة. ولم يكد يمضي عامان على توقيع العقد، حتى ارتفعت قيمته لتبلغ 102 مليون دولار عام 1996، فأصبحت كلفة التخلص من النفايات في بيروت ومناطق جبل لبنان الأكثر ارتفاعا، ليس بالمقارنة مع المناطق اللبنانية الأخرى، كطرابلس (شمالي لبنان) وصيدا (جنوبي لبنان) فحسب، بل بالمقارنة أيضا مع دول مختلفة أبرزها سوريا وكندا وإيطاليا. ورغم ذلك، ظل التمديد للعقد مع الشركتين المذكورتين مستمرا، وسط حديث، بالعلن والهمس، عن قيام بعض النافذين بمنع المتعهدين من التقدم إلى مناقصة بيروت وجبل لبنان، واضعين أمامهم شروطا توصف بالتعجيزية. إلا أن الأمر، بحسب مصادر متابعة للملف، كان يتوقف دائما عند حدود الاتهامات المتبادلة، التي غالبا ما تنتهي بصفقات مشبوهة وتوزيع حصص، بحسب متابعين للملف، لتكون المحصلة تمديدا آخر حتى عام 2010، تلاه تجديد حتى عام 2015، تحديدا حتى 17 يوليو، مما يعني أن مدة العقد منتهية حاليا، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن مواصلة سوكلين لعملها. وكشف مصدر حكومي لسكاي نيوز عربية عن قرار اتخذه مجلس الوزراء، يقضي بتمديد جزئي لسوكلين، لكي تقوم بجمع النفايات وكبسها (ضغطها) ونقلها إلى مطمر موقت، إلى أن يتم توقيع عقد مع شركة جديدة. وهنا مفارقة أخرى، فتح باب المناقصات منذ أشهر، وقدمت الشركات عروضها لجمع النفايات في مناطق مختلفة، إلا أن أي شركة لم تقدم عرضا للعمل في بيروت، ذلك أن العاصمة، وبعد إقفال مطمر الناعمة، لم يعد لديها بديل آخر، نظرا لرفض البلدات المجاورة إقامة مكبات ومطامر لبيروت على أرضها، علما أن مصادر حكومية تؤكد أنه، وبحسب دفتر الشروط، لن يطمر إلا 25 في المائة من مجموع النفايات، أما ما تبقى فقابل للمعالجة. في المحصلة، لن توقع عقود جديدة قبل إيجاد البديل عن مطمر الناعمة، وهنا لا بد من التذكير بأن قضية هذا المطمر الواقع جنوب شرقي بيروت، ليست إلا فصلا من فصول الإهمال والتسويف الذي تعتمده الدولة اللبنانية في تعاطيها مع معظم الملفات، فالمطمر افتتح عام 1996 ليكون موقتا، رفضه أهالي المنطقة مرارا، وكانوا مع كل احتجاج، يتلقون وعودا بإقفاله، حتى ظل قائما إلى حينه. مع بداية العام الحالي، تحديدا في يناير الماضي، صدر ما يعرف بالقرار رقم 1 عن مجلس الوزراء، يطالب فيه مجلس الإنماء والإعمار بمتابعة العمل بصورة موقتة في الخطة الحالية للنفايات المنزلية الصلبة، على ألا تتجاوز مدة تأمين الخدمات في المطمر 3 أشهر قابلة للتمديد لمرة أخيرة ونهائية لمدة 3 أشهر أخرى. إلا أن المطمر ظل مفتوحا، فعمد أهالي المنطقة إلى الاعتصام مجددا، وإقفاله بالقوة لأسباب شرحوها مرارا، أبرزها استحالة تمديد عقد الطمر نظرا لبلوغ القدرة الاستيعابية للمطمر حدها الأقصى، وتعريض صحة سكان المناطق المجاورة للمطمر وسلامتهم للخطر بسبب الانبعاثات السامة، وتلوث مياه البحر جراء عصارة النفايات التي ترمى فيه دون معالجة، مما يهدد الثروة البحرية ويخل ببنود معاهدة برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط التي وقعتها الدولة اللبنانية منذ عام 1976. أكثر من عشرين عاما إذا، والأزمة مستمرة، في بلد يقول أبناؤه إنهم لا يزالون أحياء بالصدفة.