صرح رئيس وزراء مصر، إبراهيم محلب، قبل أيام فقال بالضبط نحن في حالة حرب. هذا ما كان علينا أن ندركه قبل سنوات. فلا تكاد توجد دولة عربية لا تخوض حربا ضد الإرهاب والتطرف والإسلام السياسي، وتجود بضحايا ودماء بريئة وخسائر مادية بالملايين. وما دام هذا هو واقعنا مع الأسف فما تداعيات ذلك؟ نستطيع أن نرجع في ذلك إلى ما اعتاد عليه سائر الدول الكبرى في ظروف الحرب. أول ما يخطر في ذاكرتنا هو ما قام به الإنجليز وسواهم من احتياطات خلال الحربين العالميتين. لقد قامت بريطانيا، أُمّ الديمقراطيات، باعتقال ألوف المواطنين المشتبه بهم في عموم الإمبراطورية البريطانية وحلفائها، بما فيهم العراق، حيث زجوا بمئات المواطنين في معتقل الكوت. هكذا وضعت حقوق الإنسان على الرف. صاحبت ذلك قوانين طوارئ تلغي أحكام القوانين القائمة وتتجاوز الإجراءات القضائية المعتادة. وفرضت رقابة مشددة على وسائل الإعلام والنشر والترفيه مع السعي لتوجيهها وتسخيرها لأغراض الحرب. وبالطبع أجلت الانتخابات طوال سني الحرب وشكلت حكومات ائتلافية من سائر الأطراف الوطنية. ومما يذكر أن بريطانيا أصدرت سلسلة من القوانين «قوانين مكافحة الإرهاب» في الثلاثينات والسبعينات أباحت لها اعتقال وسجن أي مواطن يشتبه به ومنعه من السفر ونحو ذلك من الإجراءات المنافية لحقوق الإنسان ومقتضيات القانون في حملتها ضد الإرهابيين الآيرلنديين. إن انتقاد الغربيين لما تقوم به بعض الحكومات العربية من إجراءات وتجاوزات في محاربة الإرهاب والتنظيمات الساعية له والقابعة وراءه ينطوي على جهل ساذج وإنكار لحق الدول في حماية كيانها ومستقبل شعوبها وأرواح مواطنيها. لهم، أي للغربيين، حلال وعلينا حرام. سيقول قارئ ما: وماذا يا حضرة الكاتب الفاضل عن كل كلامك عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ ولكن من زج بنا يا سيدي في هذه الفوضى والتيهان والتقاتل والخراب الذي وقعت به دول «الربيع العربي» وجمهورية العراق غير الديمقراطية إياها وانتخاباتها البرلمانية الرقيعة؟ على العاقل مسؤولية، مسؤولية ملاحظة الخطأ، وشجاعة الاعتراف به، وواجب السعي لتفاديه. يؤكد جل فلاسفة السياسة، من سقراط إلى برنارد شو، بأن من الحمق محاولة تطبيق الديمقراطية، حكم الشعب من أجل الشعب، في شعوب جاهلة ومتخلفة وأمية. علينا أن نتعظ بما جرى في سنغافورة وتركيا. تتطلب عمليات النهوض والتنمية أيديَ حديدية ضاربة، تنتزع البلد من أنياب التخلف والجهالة والخرافة والتشبث بالماضي وموتاه على حساب الحاضر وأحيائه. وهذه هي حربنا الثانية. حربنا الجارية الأولى ضد الإرهاب والإسلام السياسي، وحربنا الثانية هي الحرب من أجل نشر التعليم والتنوير والتوعية. وعندئذ، وعندئذ فقط، يحين موعدنا مع الديمقراطية، حكم الشعب الواعي من أجل الشعب الآمن والمرفه السعيد