رحلت رفيقة عمره عن العالم وتركته وولده وحيدين، بعد رحلة استمرت أكثر من عشرين عاماً قضاها معها، وكانت نعم الزوجة والأم، ولكن المرض اللعين اختصر رحلتهما التي بدأت في موطنها بأوروبا واستمرت هنا في الإمارات حيث قررا الاستقرار والاستثمار، فقد تفهمت بمحبتها رغبته أن يربي ولده الوحيد في دولة عربية إسلامية رغم أنها مسيحية الديانة، وبسبب صعوبة ظروف الحياة ومعوقات الاستثمار في وطنه الأم، فقد وقع اختيارهما على أبوظبي لتكون موطناً جديداً يأمنان فيه على ولدهما ومالهما. وكما خططا تماماً سارت رحلتهما، فأسسا عملهما، وكبر الصغير حتى أصبح شاباً رائعاً كما أرادا له، ولكن وكما هي الحياة لا تصفو لأحد، فقد داهمت الزوجة الطيبة آلام كانت فوق طاقتها، وجاءت التقارير الطبية لتصدم العائلة الصغيرة بقرب الفراق، فالمرض تفشى في الجسد الحبيب، ولم يبق في العمر إلا أيام قاسية يملأها العذاب والألم. وقد كان ما توقعه الأطباء، وقبل أن تنتهي الفترة التي توقعوها كانت قد رحلت. امتناع مفاجئ لم يكد الزوج والابن يخرجان من دائرة ألم الفراق حتى وجدا أنفسهما في دائرة الدفاع عن حقهما في الحصول على ما تركته الراحلة من مال وعقار، فقد تبين عند حصر الإرث أنهما ليسا من الورثة لاختلاف الدين بينهما وبين مورثتهما، ولكن تبين أنها كانت قد أعدت للأمر، وكعادتها في حياتها كذلك كانت في مماتها سنداً وعوناً، بعقلها وحكمتها التي حافظت بهما على استقرار أسرتها أعواما طويلة، حيث تبين أنها تركت وصية جعلت فيها أموالها في البنك لولدها، بينما جعلت المنزل الذي تملكه في إحدى مناطق التملك الحر لزوجها، وتركت لوالديها وأشقائها بعض ما تملكه في وطنها الأم. وجاءت المفاجأة الثانية برفض البنك وشركة التطوير العقاري إنفاذ الوصية، باعتبارها مخالفة للقاعدة الشرعية التي تقول انه لا وصية لوارث، فأقام زوج المتوفاة وابنها دعوى ضد البنك وشركة التطوير العقاري، طلبا فيها الحكم بصحة ونفاذ الوصية وإلزام المدعى عليهما بتسليم المدعيين الأموال والعقار وفق الوارد في الوصية. ودفع المدعى عليهما بعدم اختصاص المحكمة المدنية وأن القضية من اختصاص محكمة الأحوال، وهو ما قضت به المحكمة الابتدائية، فاستأنف المدعيان أمام محكمة الاستئناف مطالبين بالقضاء بصحة ونفاذ الوصية، واحتياطياً في حال الحكم بعدم الاختصاص إحالة القضية إلى المحكمة المختصة. حكم نافذ من جهتها أصدرت محكمة استئناف أبوظبي المدنية حكماً بإنفاذ وصية المتوفاة بأملاكها وأموالها في الدولة لزوجها وابنها، وأوضحت المحكمة أن الزوج والابن من المسلمين واختلاف الديانة يمنع التوريث، وبالتالي يمكن أن يستفيدا من الوصية باعتبارهما غير وارثين، وألزمت المحكمة البنك المدعى عليه بالإفراج عن أموال المورثة إلى ولدها، كما أمرت الشركة المدعى عليها بنقل ملكية العقار من المورثة إلى زوجها بناء على وصيتها. وألغت المحكمة الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية، والقاضي برفض الدعوى تأسيساً على قانون الأحوال الشخصية الذي ينص على أنه لا وصية لوارث. كما أكدت محكمة الاستئناف أن القضية هي طلب تنفيذ تبرع تم للمدعي وابنه من زوجته المتوفاة المختلفة معهما في الدين، لكونها مسيحية الديانة وهما من المسلمين، حيث انه من المقرر وفق قانون الأحوال الشخصية أنه لا توارث بين أهل ملتين، فالمختلف في الدين مع المتوفى ممنوع من ميراثه ولا يعتبر وارثاً، مشيرة إلى أن الوصية هي عقد بين الموصي والموصى له، يمتد به شرط قبول الموصى له إلى ما بعد موت الموصي. وأضافت المحكمة أن الوصية المقدمة من المدعيين، تم تحريرها في إحدى الدول الأوروبية التي يحملون جنسيتها، وقد تمت وفق القانون المعمول به في تلك الدولة وأمام محاكمها وبحضور شهود، وتم تصديقها أصولاً في سفارة الدولة، كما أنه لم ينازع أي من باقي الورثة، حيث اتضح أن المتوفاة قد وزعت تركتها على ورثتها جميعاً وقد ارتضوا جميعاً بهذا. تنشر البيان كل أسبوع بالتعاون مع دائرة القضاء في أبوظبي، قصة من أروقة القضاء بهدف توعية المجتمع.