ليس من المألوف أن ينسجم الأوروبيون مع أنغام الدبكة السورية أو اللبنانية ولا أن يشدّهم إيقاعها. لكنه استثناء حدث مع عمر سليمان، مغني الدبكة والفولكلور الآتي من الحسكة، من ريف سورية الشمالي. فالرجل استطاع أن يحدث ما يشبه غزواً ثقافياً لا يظهر أثره إلا في الحفلات التي يقيمها في أوروبا، فهل نتخيّل الجمهور في فرنسا، السويد، الولايات المتحدة، النمسا وغيرها، ينتظر بحماسة حفلة عمر سليمان؟ ويملأ المدرجات ويرقص ويقفز معه لساعات؟ يحط هذا الفنان الفطري الذي يلهب ملاهي أوروبا بأغانيه في بيروت، ضمن مهرجان يقيمه «راديو بيروت» في مسبح «اللونغ بيتش» – الروشة. شاباً، بلغ العشرين، كان سليمان يتلقّى من وقت إلى آخر دعوات ليغني أغنية أو أكثر في حفلات الزفاف الشعبية. ثم بدأ يتلقى دعوات ليحيي حفلات زفاف بمفرده في قريته وفي سورية وفي الجوار. وسريعاً تخطّى بشهرته جميع مغني هذا اللون في سورية، وهم كثر. لكن نقطة التحوّل الكبيرة كانت حين دخل هذا اللون الموسيقي الذي يسود في منطقة يسكنها عرب وأكراد وأشوريون، في خانة الموسيقى العالمية وهذا أيضاً بفضل عمر سليمان. سجل العديد من حفلاته ووزعها في السوق. لكن في العام 2007، أصدر ألبومه الأول «الطريق إلى الحسكة» مع شركة الإنتاج الأميركية «SUBLIME FREQUENCIES» ليبدأ مشواره إلى العالمية، فتكتشفه فرقة «غوريلاز» في العام 2010 ويتعاونان في البوم «Plastic beach»، وذلك قبل خروجه من سورية إلى تركيا بعد بدء الأزمة في العام 2011. وفي العام ذاته راسلته فنانة البوب الإيسلندية بيورك وطلبت منه ثلاث أغان لألبومها «بيوفيليا». وكرّت السبحة، ليتعاون أيضاً مع المنتج والمؤلف FOUR TET أحد أكثر مؤلفي الموسيقى الإلكترونية شُهرة. ليس سهلاً أن تجد مكاناً في جدول أعمال عمر سليمان المليء بالحفلات والجولات، في المنطقة والعالم. تتسلّم مهمة إدارة أعماله منذ ست سنوات مينا، وهي منتجة أميركية، تنشر مقابلات معه في «الغارديان»، و»رولينغ ستونز». وقد أحيا صاحب «دق الماني دق الماني» حفلة لتوزيع جوائز نوبل في 2013 في أوسلو، وتحوّل مغني الأعراس إلى ظاهرة عالمية، يعرفها الغرب أكثر مما يعرفها حتى بعض من يقطن في سورية وجوارها. أضاف سليمان إلى الأغاني التقليدية المعروفة في المنطقة التي أتى منها، أصواتاً إلكترونية وإيقاعات سريعة، فكسب أكثر فأكثر آذان الجمهور الغربي من دون أن يتخلّى عن آلة السّاز الشهيرة ومن دون أن يتخلّى عن زيّه التقليدي (العباءة والكوفيّة) الذي يزّينه بنظارات «راي بن» سوداء تمثّل نوعاً من الحداثة في الزيّ. ويصوّر سليمان أغانيه بطريقة عصرية تساعده في شهرته في الغرب. يستضيف «راديو بيروت» عمر سليمان إلى جانب فرقة «رستلس لغ سيندروم» من النمسا والتي تعمل على تحويل وإعادة توزيع أنواع موسيقى تقليدية أو كلاسيكية، وهي عملت حديثاً على «الدبكة» وأضافت إليها نكهة وروح الهيب هوب. ويحلّ أيضاً المغني والمنتج اللبناني زيد حمدان برفقة المغنية وعازفة الغيتار ماي وليد من مصر، ضيفان على المهرجان. كل هؤلاء في حفلة واحدة، الليلة، بدءاً من السادسة مساء.