محمود حمدي زقزوق* يثير بعض الغربيين من كتّاب ومستشرقين وباحثين موقف الإسلام من المرأة، حيث يرى هؤلاء أن المرأة في ظل شريعة الإسلام لم تحصل على حقوقها كاملة وأن المرأة الغربية مميزة عنها، والواقع أن هذا الكلام لا يستند إلى أدلة وبراهين، ويؤكد جهل من يردده بالإسلام وشريعته ومنهجه في الحياة، فالإسلام انتشل المرأة من الأوضاع السيئة التي كانت تعيشها في الجاهلية. وهو الذي أرسى مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، والرسول صلى الله عليه وسلم وصف العلاقة بين الرجل والمرأة بقوله: النساء شقائق الرجال لهن مثل الذي عليهن بالمعروف والوصف بكلمة شقائق يوضح لنا المساواة والندية، والرجال والنساء أمام الله سواء لا فرق بينهما، إلا في العمل الصالح الذي يقدمه كل منهما، كما يشير القرآن الكريم إلى ذلك: من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. والعديد من النصوص القرآنية والنبوية تؤكد كفالة الإسلام لكل حقوق المرأة، وتؤكد أن الإسلام وفر للمرأة المسلمة كياناً اجتماعياً لا تحظى به المرأة الغربية. وإذا كان البعض يرى أن المرأة المسلمة لا تحظى داخل مجتمعاتها العربية والإسلامية بالحقوق الشرعية التي كفلها لها الإسلام، وتعاني معظم نسائنا ظلم الرجال، فهذه قضية أخرى، ويجب أن نفرق بين ما جاء به الإسلام من تشريعات عادلة تنظم علاقة المرأة بكل المحيطين بها من أب وأم وأخوة وزوج وأولاد وغيرهم، وما تعانيه المرأة الآن بسبب جهل الرجال بحقوق زوجاتهم الشرعية أو بسبب العادات والتقاليد المتوارثة التي تحرم المرأة من معظم حقوقها الشرعية، ومشكلة الغربيين أو خصوم الإسلام عموماً أنهم يحكمون على الإسلام من خلال السلوكيات الخاطئة لبعض المسلمين، وهذا خلط أحياناً يكون متعمداً بقصد الإساءة للإسلام، وأحياناً يكون عن جهل. وزعم البعض يرى أن المرأة في ظل شريعة الإسلام لا تحظى بحرية واستقلالية مثل المرأة الغربية، فهي دائماً تابعة للرجل، في بيت أسرتها تابعة لوليها الذي هو في الأغلب أبوها، ففي بيت زوجها تعيش في ظل سيطرة زوج يحدد لها المباح والمحظور.. هذا الكلام يؤكد أيضاً الجهل بشريعة الإسلام، وهو امتداد للخلط الفاضح بين تشريعات الإسلام وعادات وتقاليد تسيطر على عقول بعض الرجال في مجتمعاتنا.. فكل من اطلع على شريعة الإسلام بعقلية متجردة عن الهوى يدرك أنها أعطت للمرأة استقلالها التام عن الرجل من الناحية الاقتصادية، فلها مطلق الحرية في التصرف فيما تملك بالبيع والشراء والهبة والاستثمار.. الخ، من دون إذن من الرجل ما دامت لها أهلية التصرف، وليس لزوجها ولا لغيره من أقاربها من الرجال أن يأخذ من مالها شيئاً إلا بإذنها.. ومن الناحية المدنية والعلاقة الإنسانية لا يجوز للرجل حتى ولو كان الأب، أن يجبر ابنته على الزواج من رجل لا تحبه، فالزواج لا بد أن يكون بموافقتها وبرضاها. أيضاً.. جعل الإسلام أمر الأسرة شورى بين الزوجين، فالمرأة شريكة للرجل في الأسرة وفي تربية الأطفال، وقد حمّل النبي صلى الله عليه وسلم كلاً من الرجل والمرأة هذه المسؤولية المشتركة عندما قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها.. وإسناد المسؤولية هنا للمرأة ينفي تماماً تهمة تبعية المرأة الدائمة للرجل، فليست هناك مسؤولية من دون حرية، والحرية لا تتفق مع التبعية. وقضية الفرق بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة، وغيرهما من القضايا التي يستغلها الغربيون للطعن في الإسلام والتشكيك في مصداقية شريعته، وواجبنا في كل الأحوال أن نشرح لهم ونوضح فلسفة الإسلام في جعل ميراث الرجل أحياناً ضعف ميراث المرأة ومن جعل شهادة الرجل في بعض الأمور تعادل شهادة امرأتين. وما ينبغي أن نشير إليه هنا أن الكثيرين من كتاب ومفكري الغرب المنصفين يدركون عظمة التشريع الإسلامي في هذه الفوارق البسيطة ويؤكدون أنها لا تنتقص من حقوق المرأة ولا تمثل إهانة لها، ولو فهم الغربيون المقاصد الشرعية من تمييز الرجل في بعض الأمور لأدركوا أن ذلك يصب في النهاية في مصلحة المرأة، ففي مقابل ذلك حمّل الإسلام الرجل مسؤوليات كبيرة وخطرة وألزمه بالتزامات لا تقدر على تحملها أشجع النساء وأكثرهن قدرة على الصمود. والإسلام لم يحرم المرأة من المناصب القيادية، وهناك بلاد إسلامية كثيرة تولّت المرأة قيادتها وقيادة وزارات فيها وتحملت مسؤوليات، والإسلام لا يحرم المرأة من تولي مناصب عليا في الدولة، فلها أن تشغل من المناصب ما يتلاءم مع طبيعتها ومع خبراتها وكفاءتها ومؤهلاتها. *عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر