يبدو أن الرئيس البوروندي بيار نكورونزيزا في طريقه لولاية رئاسية ثالثة بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس وسط انتقادات دولية، بمشاركة ضعيفة وتتخللها أعمال عنف في فوز سيكون مثقلا بالتهديدات لمستقبل هذا البلد الصغير الواقع في منطقة البحيرات الكبرى وشهد في الماضي حربا أهلية. وأعلنت الولايات المتحدة أمس أن الاقتراع الرئاسي في بوروندي «لم يتسم بالمصداقية»، وعبرت عن مزيد من التشكيك في الحكومة التي نظمت الانتخابات في أجواء متوترة جدا. وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي في بيان بأن «الولايات المتحدة تحذر من أن الانتخابات التي تجري في الظروف السائدة حاليا في بوروندي لا تتمتع بالمصداقية وستزيد من تراجع صورة الحكومة». وقبل ذلك، عبر وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رينديرز الذي تعد بلاده شريكا مهما لبوروندي عن «أسفه» لتنظيم هذه الانتخابات وذكر بأن بلجيكا «ستعيد النظر في تعاونها» مع مستعمرتها السابقة هذه. وقبيل بدء الانتخابات، قتل شخصان ليل أول من أمس في بوجمبورا، حيث سمع دوي انفجارات وإطلاق نار طوال الليل. وذكر مسؤول في الشرطة طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «شرطيا قد قتل خلال الليل من جراء انفجار قنبلة في حي موتاكورا في شمال البلاد، فيما قتل مدني بالرصاص في نياكابيغا في شرق البلاد في ظروف غامضة»، كما قال شهود. وأكد مسؤول في الحركة من أجل التضامن والتنمية وهي حزب معارض، المدني هو ديو نشيميريمانا العضو في هذا الحزب في إقليم جيتيغا في وسط البلاد، وكان قد غادر المنطقة بعدما تلقى تهديدات. وسمع دوي انفجار وإطلاق نار صباح أمس قبيل فتح مراكز الاقتراع في حي موساغا في جنوب بوجمبورا، بحسب صحافي لوكالة الصحافة الفرنسية وعدد من السكان. وندد ويلي نياميتوي، كبير المستشارين الإعلاميين للرئيس نكورونزيزا بـ«أعمال إرهابية» تهدف إلى «ترهيب الناخبين». وتوجه الرئيس البوروندي إلى مركز للاقتراع في قريته بويي صباح أمس للإدلاء بصوته، وقد وصل على متن دراجة هوائية وهو يرتدي بزة رياضية زرقاء تحمل شعار فريقه المفضل لكرة القدم. ودعي نحو 3.8 ملايين بوروندي للتصويت في الانتخابات، لكن المشاركة في بوجمبورا وغيرها بدت ضئيلة حتى عصر أمس. وقال مسؤول في اللجنة الانتخابية الإقليمية المستقلة في جيتيغا، المنطقة المؤيدة لنكورونزيزا: «من الواضح أن المشاركة أقل مما كانت عليه في الانتخابات التشريعية، لكن نأمل أن يصل الناس في وقت لاحق». وفي العاصمة تبدو المشاركة ضعيفة جدا أيضا خصوصا في حي موساغا، حيث كان الناخبون يمرون أمام مراكز الاقتراع من دون التوقف أو دخولها. وقال أحد السكان: «لن أصوت. لا أقبل بهذه الانتخابات ولن أقبل بولاية ثالثة». وفي مدرسة سان إتيان في وسط العاصمة، يتوجه بعض الناخبين لدى خروجهم من وراء العازل إلى سبيل ماء لمحو آثار الحبر عن أصابعهم حتى يتجنبوا انتقام الذين يقاطعون الانتخابات. وأعرب ناخب بوروندي: «نمحو الحبر لأن الناس لا يريدون أن ندلي بأصواتنا». وأكدت ناخبة في حي غيوشا شمال شرقي العاصمة: «لا أريد أن أعود إلى الحي الذي أقيم فيه مع الحبر على إصبعي». وتقاطع المعارضة الانتخابات لأنها تنكر على نكورونزيزي الحق في الترشح إلى ولاية جديدة بعد انتخابه في 2005 و2010 وتنتقد هذه «الانتخابات المهزلة» التي لم تنجح مطالبتها بإرجائها. وقبل ساعات على فتح مراكز الاقتراع، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون السلطات البوروندية إلى «القيام بكل ما بوسعها عمله من أجل فرض الأمن وإجراء الانتخابات الرئاسية بشكل سلمي». ودعا إلى أن: «جميع الأطراف إلى الامتناع عن القيام بأي نوع من أعمال العنف التي يمكن أن تزعزع استقرار بوروندي والمنطقة». واغرق ترشح الرئيس نكورونزيزا للانتخابات منذ نهاية أبريل (نيسان) البلاد في أزمة سياسية خطيرة تخللتها أعمال عنف أسفرت عن سقوط أكثر من ثمانين قتيلا. وبعد الفوز الواسع للحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية والبلدية التي جرت في 29 يونيو (حزيران) الماضي وقاطعتها المعارضة، فرغت الانتخابات الرئاسية من كل رهان أيضا. فلا شك في فوز نكورونزيزا لأنه لا يواجه سوى أربعة مرشحين جاءوا من تشكيلات معروفة بتحالفها مع السلطة. ولم يسحب المعارض الرئيسي له أغاتون رواسا رسميا ترشحه، لكنه يقول إنه لم يقم بحملة ويعترض مسبقا على شرعية الانتخابات طالبا تأجيلها. كما يرى أنه لا يحق لنكورونزيزا الترشح. أما المرشحون الثلاثة الآخرون الذين تسجلوا فهم جان ميناني رئيس الحزب المعارض فروديبو ورئيسا الدولة السابقان دوميسيان ندازيزيي وسيلفستر نتيبانتوغانيا وجميعهم يعترضون على ترشح الرئيس لولاية ثالثة. وقد أعلن جميع هؤلاء المرشحين انسحابهم من السابق معتبرين أن «المناخ السياسي والأمني الذي تنظم فيه الانتخابات لا يضمن طابعا تعدديا وشاملا وحرا وشفافا للانتخابات». وقال تييري فيركولون من مجموعة الأزمات الدولية: «على رغم التعددية الظاهرة، إنها انتخابات تجري بمرشح واحد ويعرف البورونديون نتيجتها مسبقا». وقد تعرضت المظاهرات الممنوعة لقمع عنيف منذ نهاية أبريل الماضي وأحيانا بالرصاص الحي، وأرغمت وسائل الإعلام الخاصة على الصمت، ويختبئ الصحافيون والمعارضون أو يذهبون إلى المنفى، يفرض عناصر الحزب الحاكم الذين تصفهم الأمم المتحدة بأنهم «ميليشيا» أجواء الترهيب الشاملة. ويرى كثير من المراقبين أن من المؤكد فوز نكورونزيزا بولاية ثالثة، لكن يوم التالي للانتصار قد يكون معقدا، من خلال بوروندي منقسمة ومعزولة على الصعيد الدولي ومحرومة من مساعدة خارجية فيما تصنف بين البلدان العشرة الأقل تطورا في العالم.