لا ينفصل دور حزب الله اللبناني وأمينه العام حسن نصر الله في الأزمة السورية عن المسار العام لمسيرة الحزب وأمينه العام منذ تأسيسه، وقد جاء في إطار استراتيجية إيران في المنطقة، التي وجدت في لبنان بمعطياته وظروفه فرصة لخلق أداة قوية بالتعاون مع النظام السوري بما كان له من وجود فاعل ونشط في لبنان وفي صفوف بنيته الطائفية ونخبته السياسية، وبالاستناد إلى ذلك تطورت سياسات وممارسات حزب الله من لبنان إلى خارجه، ولا سيما في المحيط الإقليمي وصولا إلى دوره الراهن في سوريا. وسياسات حزب الله وأمينه العام وتجسيداتها العملية تكرست أساسا في الجغرافيا اللبنانية التي ينتشر فيها حزب الله بعد أن تواصلت حلقاتها عبر سلوكيات وممارسات قام بها الحزب منذ تأسيسه في اغتيال شخصيات دينية وسياسية وفكرية لبنانية وصولا إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدد من قادة ثورة الأرز على نحو ما هو شائع من معلومات، وسط أجواء من التحريض والحض على الكراهية، والتجييش الطائفي، وتعزيز الانقسام الطائفي في لبنان، سارت بالتوازي مع القيام بعمليات تفجير وإرهاب جماعي، والقيام بعمليات قمع وقهر اتخذت طابعا «شعبيا» في لبنان على نحو ما حدث في بيروت في أحداث مايو (أيار) 2008 المعروفة. لقد غطت الحملة الديماغوجية في عداء الحزب وزعيمه نصر الله لإسرائيل، والكلام عن نصرة المستضعفين ومقاومة النفوذ الغربي في المنطقة، على تلك السلوكيات والممارسات، وجعلتها خلف ستار من ظروف المنطقة وشعوبها التي عانت وتعاني الأمرين من واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي مرر عبر الحملة الديماغوجية، ليس السياسات والممارسات الإجرامية في لبنان وحده بل وامتداداتها في المنطقة وفي العالم، فكانت سياسات حزب الله وممارساته سلسلة متكاملة في كل المناطق والبلدان وخاصة لجهة دوره في البحرين مثالا وفي تركيا ومصر في المحيط الإقليمي وفي أوساط الجاليات الإسلامية عبر العالم، وخاصة لجهة تعميق الانقسام الإسلامي إلى شيعة وسنة على قاعدة الخلاف والتناقض في إطار استراتيجية إيرانية يمثل حزب الله وزعيمه الذي أعلن منذ زمن طويل أنه ممثل الولي الفقيه في لبنان، واحدة من أهم أدواتها. ولا شك أن المثال الأشد فظاعة في سياسات حزب الله وممارساته على المستوى الخارجي من نشاط الحزب وزعيمه، هو انخراطه في الأزمة السورية والذي تطور من إعلان تأييد خجول للنظام إلى انخراط شامل في نهج النظام الغارق قتلا للسوريين وتدميرا لبلدهم وقدراتهم، ودعما للنظام الذي قال أحد قادة حزب الله أخيرا إنه كان سيسقط في خلال ساعتين لولا تدخل حزب الله إلى جانبه، وقد أضاف الأمين العام للحزب الذي جاهر بقتال حزبه مع النظام ضد السوريين، أن ميليشيات وأسلحة وقدرات حزبه باقية في سوريا على دورها وممارساتها، ما دام استمر الصراع بين السوريين ونظامهم، الأمر الذي يعني أن الحزب مستمر في عملية قتل السوريين وتدمير بلدهم. وإذا كان من معنى في موقف وموقع نصر الله وحزبه في الأزمة السورية، فإنه صار طرفا أساسيا سيتحدد بناء عليه مستقبل الوضع السوري، وأنه صار قوة احتلال تتخذ من نظام ساقط بالمعنى السياسي والأخلاقي ستارا لوجودها ودورها، وهو يعني إضافة إلى ما سبق، أن الحزب استبدل بما كان يزعم من عدائه لإسرائيل العداء للشعب السوري تحت حجج «الدفاع عن لبنان» و«الدفاع عن فلسطين والقضية الفلسطينية» إلى آخر شعارات الديماغوجية، التي اعتاد رفعها في إطار ممارساته طوال نحو ثلاثين سنة مضت. وإذا كان مسار حزب الله وزعيمه مضى في خط واحد للوصول إلى دوره الدموي في واحد من أخطر الأحداث السياسية والإنسانية والأخلاقية في التاريخ، فإن موقف المجتمع الدولي والرأي العام يسجل تهاونا، بل تراجعا في فهمه وموقفه من مسار الحزب وزعيمه ودوره في الحدث السوري، وما يمكن أن يتطور إليه على المستوى الإقليمي والدولي خاصة في ضوء ما قاله نصر الله أخيرا من أن الوضع في المنطقة «قد يخرج عن السيطرة»، ويصل إلى مرحلة لا تستطيع قوى عالمية أو إقليمية أن تتحكم فيها، إذا لم تفلح التسويات السياسية، مما يعني تهديدا مفضوحا بتفجير المنطقة، إن لم يتم ضمان تقاطعات مصالح تهمه، وهو ما يمكن أن يحصل إذا استمر موقف المجتمع الدولي الذي كان قد صنف حزب الله في إطار المنظمات الإرهابية في العالم، وهو يسكت عن ممارساته اليوم في سوريا وتهديدات زعيمه بإغراق المنطقة في الدم والدمار. وهذا يعني أن المجتمع الدولي اليوم أمام تحديات حقيقية يمثلها بقاء نظام القتل السوري، ودور حزب الله في سوريا أداة إيران الاستراتيجية، والتي تجد دعما مباشرا وغير مباشر من جانب روسيا وبلدان أخرى. لقد آن الأوان للعالم أن يقف على قدميه!