بعد مفاوضات ماراثونية استمرت لأعوام، وقعت إيران وخصومها الغربيون اتفاقاً بشأن برنامجها النووي، الذي يثير الكثير من المخاوف بشأن انعكاساته على الوضع في المنطقة، خاصة مع سعي طهران لخلق بؤر وأزمات جديدة في أكثر من مكان. يفتح النووي سباقاً جديداً نحو التصعيد في المنطقة، فمن الواضح أن إيران لن يكون بمقدورها إغلاق ملفات في المنطقة، كانت قد فتحتها أثناء وضعها تحت طائلة العقوبات خلال السنوات الماضية، لأنها قد تورطت في هذه الملفات، وصارت تساوم فيها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب المعنية بمراقبة نشاط إيران النووي. من المسلم به أن إيران وجدت في الاتفاق الأخير طوق نجاة لتتحرك بشكل أكبر في نشاطاتها، سواء السياسية أو الاقتصادية وغيرهما، وهي تدرك أن دورها اليوم تضخم لدرجة التوحش، وصار بإمكانها أن تلعب دوراً تخريبياً في المنطقة أكثر من السابق، حيث أطلق لها الاتفاق العنان لتكون مساهمة وحاضرة في الملفات كافة في المنطقة. هذا التوحش الذي سيتبلور في السنوات المقبلة، سيلقي بظلاله على الأوضاع في المنطقة برمتها، ومنها العربية، التي ترتبط بشكل أو بآخر بتحالفات مع إيران، حيث سيجد حلفاء إيران فرصة أكبر لمقاومة أي مشاريع للحلول السياسية في بلدانهم التي تشهد دورات دم منذ مدة ليست بالقصيرة، وهذا هو ما تريد إيران الوصول إليه، بحيث تبقى المنطقة في حالة احتراب متواصل، فيما تستمر هي في إحداث المزيد من الأزمات، وتغذيتها بما صار لديها من نفوذ سياسي ومالي حصلت عليه إثر رفع العقوبات، إذ إن أكثر من 120 مليار دولار كانت مجمدة ستكون قادرة على إحداث نقلة نوعية في هذا التوحش الذي يميز الدور الإيراني في المنطقة منذ سنوات طويلة. الأهم هو الموقف الذي ستتخذه الدول الموقعة مع إيران على الاتفاق النووي، وما إذا كانت قادرة على كبح التوجهات الإيرانية الجديدة، التي بلاشك ستغير من وجه المنطقة في حال تُرك لإيران خيار تشكيل ملامح المرحلة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، صحيح أن الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية تعهدت بعدم ترك إيران تتحكم في مصير المنطقة، إلّا أن هذه التعهدات قد تتحول إلى مجرد تهديدات ليس إلّا لإرضاء حلفائها في المنطقة، الذين ينظرون إلى المواقف الغربية بنوع من الريبة والشك، خاصة أن الغرب اُختبر في أكثر من مرحلة، ولم يستطع أن يقدم تطمينات جدية لأنظمة المنطقة في التصدي لطموحات إيران الكبيرة. ربما يكون من حسنات الاتفاق النووي الإيراني أن دفع بعدد من الأنظمة في المنطقة إلى إعادة حساباتها، والبدء في امتلاك برامج نووية سلمية تكون قادرة على جعل إيران تتراجع عن خططها التوسعية في المنطقة، والابتعاد عن سياسة التوحش، التي تمارسها في الوقت الحاضر، ذلك أن ترك طهران تتحكم في مصير المنطقة يدخل منطقة الشرق الأوسط بأكملها في دوامة من الأزمات لا تنتهي. sadeqnasher8@gmail.com