لم يعد هناك مجال للصمت، فالحزم سياسة دولة وردع لمن يعتقد بأنه أكبر من الدولة ومؤسساتها، وانه قادر لا سمح الله على الايذاء، وعلى ترجمة الاجندات الخارجية، التي لا تريد خيرا لبلدنا ومجتمعنا، هذه السياسة الحازمة يجب ان تكون هذه المرة شاملة واستراتيجية لان تنظيم داعش الارهابي ليس مجموعة من الافراد العابثين بالامن والاستقرار، بقدر ما هم ادوات صنعت من رحم اجهزة استخبارات اقليمية لدول لطالما ظلت تعبث بالامن العربي والاقليمي. هذه الحقيقة تستدعي مواجهة شاملة كما قلنا، هناك دول مستفيدة من بث الفوضى والرعب في المنطقة، ظلت دائما تستند الى حقيقة رئيسة في علاقاتها الدولية قائمة على ادامة التوتر، وشد الاطراف، وتمويل وتجنيد هذه التنظيمات والتعاون معها رغم الاختلافات الفكرية والمذهبية، وعلينا ان نتساءل دائما ما السبب وراء استهداف الدول العربية ومن المستفيد من هذه الفوضى؟، ولماذا لم تطل يد العابثين دولة مثل ايران، لم تتوانَ عن استخدام الارهاب وتوظيفه لخدمتها؟ حتى لو طالت يد العابثين مساجد ومراقد شيعية، لان المصالح القومية تتجاوز عن هذه المعايير وتتجاوز عن مثل هذه العلاقات، وهذا النهج لم يعمل به مسبقا الا الجماعات اليهودية المتطرفة التي كانت تفجر وتغتال في الدول الاوروبية، لبث الرعب والفوضى والهواجس الامنية الغربية لصالح اسرائيل. إن القراءة الدقيقة لهذا التنظيم الارهابي، ليست بحجم تنظيم متطرف وانما بخبرات دول واجهزة استخبارات تهدف لتكريس الفوضى في المنطقة، وهدم الدول العربية، واشاعة الحروب الطائفية بين العرب، وشق صفوفهم ووحدتهم وتفتيت دولهم ومجتمعاتهم، وانه وللأسف هناك نفر قليل ممن اغتروا بخطاب التطرف والفتنة والارهاب، في حين اننا نعلم بأن هناك مختبرات استخباراتية تعمل على الاثارة وعلى استقطاب وتجنيد المغرر بهم لهذا التنظيم، وهذه الاجهزة تقف خلف العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحقق اختراقات لدى بعض ضعاف النفوس، وبعض ممن لا يملكون القدرة على فهم التعقيدات السياسية والامنية الدولية. ان سيطرة داعش على مساحة شاسعة من سوريا ومن العراق، ليس امرا هينا وليس امرا عبثا، بل ان فتح الابواب امام داعش والانسحابات العسكرية ليست دليل انهيار قوة او خشية وخوف، وانما العالم ببواطن الامور يرى انها نتاج لصراع الطاقة في المنطقة والسيطرة على خطوط الغاز، وان دولا واجهزة استخبارات اقليمية ودولية ضالعة في وجود هذا التنظيم الذي اريد له ان يكون متوحشا وان يستهدف الدول العربية لا غيرها. ان الامن لا تصنعه فقط الاجهزة الامنية التي تقوم بواجباتها على اعلى المستويات، وانما الامن هو مسؤولية وشراكة وطنية ومجتمعية تقوم به العديد من المؤسسات، وان هذا يستدعي اليوم ان تقوم كل جهة بواجباتها ضمن الخطط المرسومة لتحصين بلدنا ومجتمعنا وجعله قوة عصية على الاختراق، ولإحباط أية محاولات او مخططات ترمي لا سمح الله للعبث بامننا واستقرارنا الاقتصادي والاجتماعي. ان العالم أجمع يشهد بان المملكة كانت على الدوام تعمل ضد الارهاب والتطرف، وهي اول من سن القوانين واتخذ الاجراءات ودعم الجهد الدولي لمكافحة الارهاب، وهي من اولى الدول والمجتمعات تأثرا بالارهاب، وان علينا ان نضع العالم والمجتمع الدولي امام مسؤولياته الحقيقية، فلا يمكن مواجهة داعش دون مواجهة الدول التي تعمل على تغذيته وتمويله، والدول التي تحرض على الفتنة والطائفية في المنطقة. ان الحزم السعودي هذه المرة سيكون مختلفا، وسيكون له وقعه وتأثيره على كل من تسول له نفسه العبث من قريب او بعيد بامننا واستقرارنا، ومن اراد ان يجرب سيكون فعلا وقولا قد فتح على نفسه ابواب الجحيم، فلم يعد هناك مجال للصمت على هذا الاستخدام والتوظيف والتجنيد المثبت بالادلة والقرائن والحيثيات. ولن يكون الحزم السعودي مع الارهاب وداعميه ومموليه ومن يؤويه، بل سيكون حزما داخليا ايضا مع كل من يتعاون او يساعد او يساهم في تعزيز الفكر المتطرف والارهابي او يعين الفئات الضالة على اي صعيد او وسيلة او هدف، وان اسلوب المواجهة الذي اخترنا لحفظ أمن بلادنا ومجتمعنا لن نحيد عنه، ولن نستكين، وسنظل يد الحق التي تهدم جباه الجور والظلم، وإن من يحاول النيل من هيبة الدولة ومكانتها ودورها، ستكون الدولة في مواجهة مشروعة معه، وان على المؤسسات والهيئات والشخصيات الرمزية ان تقوم بواجباتها الوطنية في الدفاع عن هذا البلد، وعدم النيل منه. كما اننا ندعو مجتمعنا ومؤسساتنا الدينية والتربوية للارتقاء مع الدولة والاجهزة الامنية لمواجهة التحديات ولمواجهة الارهاب بلغة وخطاب جديد واعٍ لطبيعة الصراعات الدولية والاقليمية، والاساليب التغريرية التي تستخدم الدين اداة لتبرير افعالها وسياساتها ولخدمة مصالحها، فاليوم الكل مطالب بان يكون له دوره في محاربة الارهاب والتفكير الارهابي والتكفيري، بلغة وخطاب واضح وضمن استراتيجية وطنية عليا، بالتوازي والجهود الامنية الكبيرة، لصيانة أمن واستقرار هذا البلد ووحدته باعتباره منارة للاسلام والمسلمين.