انتهى مسلسل التفاوض النووي مع إيران ولن ينتهي الحديث عن النتائج ولن يتوقف سيل الأسئلة عن هذه النتائج، ولن تتوقف ردود الأفعال الكلامية والعملية. سوف تكتب المقالات وتصدر المؤلفات حول أسلوب ومحتوى وأهداف ونتائج المفاوضات وأسرارها. المفاوضات ونتائجها يحيط بها الكثير من الأسئلة والإجابات المتناقضة وأحياناً المرونة الغامضة التي وضعت عمداً لتسهيل الوصول الى اتفاق. مرونة تصل حد التناقض حين نقرأ تصريحات الرئيس الأميركي أوباما بعد إعلان الاتفاق. أول سؤال تبادر إلى الذهن هو: هل يوجد منتصر في تلك المفاوضات؟ من هو المنتصر، ومن هو الخاسر؟ هل الطرفان منتصران؟ إيران تحتفل بنجاحها، وعلى الطرف الآخر يصرح أوباما أن البرنامج النووي الإيراني سيكون خاضعاً لقيود شديدة لعدة سنوات. معنى هذا الكلام – على رأي نيويورك تايمز – أنه ليس في الاتفاق ما يؤكد أن إيران لن تصبح قادرة على إنتاج القنبلة النووية، بل انه لن يعمل إلا على تأجيل اليوم الذي سيحدث فيه ذلك. وبحسب كاتب المقال في النيويورك تايمز فإن المخضرم هنري كسينجر وزير خارجية أميركا الأسبق يرى أن هذا الاتفاق خطأ فادح. ونفتح صفحة جديدة في كتاب التناقض فنجد أن أوباما يقول إن إيران لن تغير من السلوك الشائن المعروف عنها، وأن الخلافات ستظل باقية بين طهران وواشنطن وذلك لأن إيران تدعم الإرهاب وتستخدم جماعات مختلفة لزعزعة الاستقرار في المنطقة. على أرض الواقع لا تظهر تلك الخلافات التي يشير إليها الرئيس الأميركي. وإذا كانت إيران تدعم الإرهاب حسب رأي أوباما – وهي فعلاً كذلك -فلماذا يفتح لها الضوء الأخضر لامتلاك السلاح النووي؟ هل تحوّل محور الشر إلى محور خير، وهل تحوّل الشيطان الأكبر إلى حمامة سلام؟ وفي سياق الأسئلة سؤال عن سلوك إيران وحروبها بالوكالة وتدخلها في الشؤون العربية، هل يستمر هذا السلوك أم هو قضية منفصلة حسب زعم أوباما؟ وإذا كان الاتفاق ينص على سلمية البرنامج النووي الإيراني فكيف نفسر موقف إسرائيل المعارض لهذا الاتفاق. المعارضة الإسرائيلية اكتفت بالتهديد، على عكس ما فعلته ببرنامج العراق النووي!! وإذا كان الاتفاق فرض قيوداً وشروطاً على برنامج إيران النووي ومراقبة من المفتشين الدوليين، فلماذا يصفه الإيرانيون بالإنجاز العظيم؟ على المستوى العربي، ماهي الخطوات القادمة وماهي الخيارات المتاحة؟ وهل سيتم صياغة رؤية عربية سياسية جديدة للتعامل مع المتغيرات والمتناقضات داخل المنطقة؟ هل الاتفاق بالنسبة للعرب هو هزيمة إيرانية أم العكس؟ ويتضمن ملف الأسئلة ما يتعلق بالنتائج السياسية والاقتصادية المترتبة على رفع العقوبات داخل إيران وخارجها؟ من هي الدول المستفيدة ومن هي الدول الخاسرة؟ هل تستثمر إيران أرصدتها المالية المفرج عنها: هل تتجه الى التنمية أم إلى دعم المنظمات الإرهابية؟ مع الإشارة إلى تصريح منسوب إلى رئيس غرفة طهران للتجارة والصناعة يقول فيه إن ما بين 15 إلى 30 في المئة فقط من مشاكل إيران الاقتصادية ترجع إلى العقوبات، أما نسبة السبعين في المئة فترجع إلى سوء الإدارة. الأسئلة حول هذا الاتفاق كثيرة ومن أهمها ما يتعلق بأمن المنطقة وهل هناك ترابط من أي نوع بين هذا الاتفاق وبين دور إيران الإقليمي وخاصة حيال الأوضاع في لبنان وسورية والعراق واليمن؟ وهكذا فإن الأسئلة المطروحة أكثر من الإجابات فالغرب يعلن عن شروط وقيود قبلت بها إيران، والأخيرة تحتفل وتخاطب الشعب الإيراني بلغة مختلفة، وتقدم نصوص الاتفاق بصياغة مناقضة لصياغة القوى الست الكبرى. إن الإجابة على الأسئلة المطروحة لن تكون حاضرة الآن فهي ليست إجابات نظرية، وسوف يتكفل الزمن والممارسات العملية بكشف أسرار هذا الاتفاق وآثاره السلبية أو الإيجابية.