رجل في الستينات من عمره، يعشق السفر ويهوى البحث عن أهدافه في مختلف الدول، لم يمنعه المرض من مزاولة هوايته في جمع المقتنيات والمخطوطات القديمة. عيسى محمد العرادي (66 عاماً)، استقبل «الوسط» بابتسامة عريضة تملّكت ملامحه، هو رجل بسيط ومتواضع، يسكن في منطقة عراد، وفور وصولنا إلى منزله الذي يضم أشجاراً في الداخل والخارج، ويميزه عن باقي المنازل المجاورة، دخلنا إلى غرفة اكتظت بالمقتنيات القديمة التي تعود بك إلى الزمان الماضي الجميل. ودار معه هذا الحوار الشيق: كيف كانت بدايتك في جمع المقتنيات القديمة؟ - بدأت منذ نعومة أظافري، وتحديداً عندما كنت في الصف الخامس ابتدائي، في العام 1958، والسبب وراء ذلك، هو أن أحد المدرسين آنذاك، طلب منا جلب طابعين كواجب منزلي، لم أدرك حينها ماذا تعني تلك الطوابع، ولم تكن بحوزتي. وكان أحد الزملاء من منطقة المحرق جلب في اليوم التالي البوماً من الطوابع، اختار منها طابعين لوضعهما في الدفتر وفقاً لطلب المدرس، وكان ذلك الألبوم خاص بوالده، ومنذ ذلك الحين، أعجبتني فكرة جمع الطوابع، وبدأت بالتقاط الظروف الملقاة في شوارع قريتنا، ونزع الطوابع الموجودة في الظروف، ومن ثم استهويت جمع العملات المعدنية، واستمر الأمر معي في جمع الطوابع والعملات المعدنية حتى العام 1970. بعد ذلك أخذت أتجه إلى جمع العملات الورقية منذ دخولي الجامعة، بالاضافة إلى جمع الطوابع والعملات المعدنية. وأمتلك حالياً الكثير من الأدوات والحاجيات القديمة. لم أتخذ من هذه الهواية مهنة، على الرغم من انني سعيت إلى بيع الكثير من المقتنيات القديمة، من أجل توفير المساحة في المنزل، وخصوصاً بعد أن امتلأ بها. عفواً أبا حامد، أعتقد أن بحوزتك الكثير من المخطوطات التي تجاوز عمرها 300 عام، هلاَّ أخبرتنا عنها؟ - نعم، لا أخفيك سرّاً، أن دخولي في مجال اقتناء المخطوطات القديمة لا يتجاوز 15 عاماً، إلا أنني أمتلك الخبرة التي تكفل معرفتي عن عمر المخطوط ونوعه. أمتلك حاليّاً آلافاً من هذه المخطوطات، التي أقتنيها من خلال شرائها من مخلتف الدول، ومنها: اندونيسيا، تركيا، اثيوبيا، الهند، النيبال، افريقيا، الزنجبار، تونس، المغرب، الجزائر، الصحراء الغربية، موريتانيا، العراق، ايران، وسورية. من أين تقوم بشراء هذه المخطوطات؟ - شراء هذه المخطوطات يحتاج إلى جهد وعناء السؤال، فأنا لا أبحث عنها في المتاحف، بل من خلال سؤال المواطنين في تلك الدول، إذ أعمد خلال رحلة السفر إلى التجوال في أزقة الدول والاستفسار من المواطنين العاديين عما إذا كانوا يمتلكون مخطوطات قديمة بحوزتهم، وخصوصاً أن الكثير منهم يحتفظ بمخطوطات قديمة ورثوها أباً عن جد. أتذكر في إحدى سفراتي إلى الهند برفقة أحد الأصدقاء، كنا نتجول في سوق الخضراوات والفواكه، وفي الأثناء سألت أحد الباعة عما إذا كان يمتلك مخطوطات قديمة، إلا أن صديقي استغرب من سؤالي له، قائلاً: من اين لهذا البائع المسكين مخطوطات قديمة... وخلال ثوان قال لي البائع نعم أنا أمتلك مخطوطات لأجزاء من المصحف، وبالفعل جلبه واشتريته من عنده. ومن المواقف التي صادفتني في السفر، خلال رحلتي إلى الصين، توجهت إلى أحد المجمعات يطلق عليه اسم مجمع عائشة، يضم كتباً دينية خاصة بالمسلمين، سألت أحد العاملين فيه عما اذا كانت لديهم مخطوطات قديمة، وبالفعل كان لديهم مصحف عمره نحو 400 عام، وحينما وافقت على شرائه، كانت إحدى العاملات هناك تود مساعدتي في حمل المصحف الكبير عني، إذ نهرتها العاملة في المجمع ومنعتها من ذلك، وطلبت مني حمله، قائلة: نحن لسنا مسلمات فكيف نلمس المصحف، إذا لم تأخذه لوحدك، لن نبيعك اياه... إلا أنني أصررت على شرائه، على رغم أن صحتي لم تكن تسمح بحمل، بسبب اجراء عملية جراحية. كما اشتريت مخطوطاً لديوان شعر عمره نحو 300 عام، وغيرها من المخطوطات للمصاحف أو القصاصات. سأذكر لك موقفاً آخر، في إحدى المرات بينما كنت جالساً في أحد المقاهي بالزنجبار، عرض عليَّ أحد الأشخاص كتاباً مخطوطاً عمره 200 عام، ومن دون نقاش اشتريته بـ 15 دولاراً، وبعد قراءتي اتضح لي أنه كتاب سحر، وبعد عودتي إلى البحرين قرر أحد الاشخاص شراءه بمبلغ 50 ديناراً، إلا أنه بعد مرور شهر، طلب باسترجاع مبلغ الكتاب لعدم رغبته في اقتنائه بسبب اعتراض الأهل، ولم أمانع من ذلك، وبعد فترة وجيزة، اشتراه صديق لي بمبلغ 100 دينار. عذراً على المقاطعة، هل لديك مخطوط مميز وفريد من نوعه؟ - نعم، اشتريت مجموعة من المصاحف القديمة من الهند، والرائع فيها الترتيب الجميل في الكتابة، إذ إن جميع أسطر المصحف تبدأ بحرف الواو، وأطلقت حينها على هذه المخطوطات اسم (المصحف الواوي)، نسبة إلى حرف الواو الذي يبدأ في أول كل سطر منه، وقد بعت منه نسختين. كما أمتلك صحيفة صينية أوراقها من ذهب، قد اشتريتها من الصين خلال بيع نسخ منها بمناسبة مرور 20 عاماً على إصدار صحيفتهم الاقتصادية، إذ تتكون الصحيفة من 20 صفحة من الذهب الخالص عيار 24، وأنا حاليّاً اعرضها للبيع لمن يريد اقتناءها. تمتلك سمعة طيبة بين أوساط مجتمعك، إذ ذاع صيتك بمؤلفاتك عن المخطوطات، تحدث لنا عن ذلك؟ - صحيح، لدي 6 مؤلفات غالبيتها تتحدث عن المخطوطات، ومنها كتاب «كيف تقرأ المخطوطات»، «قصاصات»، ويبقى لي أن طبعت 3 مؤلفات، إذ أجريت «تحقيقاً عن مخطوط في علم الصرف»، بالاضافة إلى طباعة كتاب تحت عنوان: «سفر من سفر»، والكتاب الثالث «عجائب السحر والسحرة»، وقد نفذت هذه النسخ من الأسواق، إذ ألفت هذا الكتاب خلال تواجدي في سلطنة عمان للعلاج بعد إصابتي بمرض السرطان، وكنت حينها اقابل الناس واجمع تصريحاتهم حول السحر. هل شاركت بما لديك من مخطوطات في معارض خاصة بهذا الشأن؟ - نعم، شاركت في أكثر من معرض في البحرين، وكانت مشاركتي تقتصر على العرض فقط وليس البيع.