×
محافظة المنطقة الشرقية

«القادسية» تنتظر قرار «فض المنازعات» في شكواها ضد الأهلي

صورة الخبر

تقف المعالم التاريخية في كل بلد لتروي قصته الحضارية والإنسانية، شاهدة على العصور وحافظة للتراث والذاكرة، وهكذا هو جامع الزيتونة في تونس منذ أكثر من 1300 سنة شاهد على تجذر هذا البلد في إسلامه، إضافة إلى كونه منارة علم وتعليم طوال عقود طويلة من الزمن، وذلك من خلال جامعة الزيتونة التي نشأت بين جدران هذا المسجد العظيم، وتحولت اليوم إلى مؤسسة جامعية عصرية تجمع في وفاق تام بين الأصالة والحداثة. مثلما اختلف المؤرخون حول باني المسجد، فقد اختلف الرواة حول جذر تسميته، فمنهم من ذكر أن الفاتحين وجدوا في مكان الجامع شجرة زيتون منفردة فاستأنسوا بها وقالوا: إنها لتؤنس هذه الخضراء، وأطلقوا على الجامع الذي بنوه هناك اسم جامع الزيتونة، وقيل إنَّ السبب في تسميته بهذا الاسم هو كثرة شجر الزيتون بالقرب من مكان الجامع عند بنائه. أما أهم العناصر المعمارية فتتمثل في بيت الصلاة على شكل مربع غير منتظم وسبع بلاطات، وقد اعتمدت الحجارة في بناء الجامع، مع استعمال الطوب في بعض الأماكن. ولمسجد الزيتونة قبتان: واحدة أمام المحراب، والثانية على مدخل البلاط الأوسط مما يلي الصحن، ويحمل قبة المحراب اثنان وثلاثون عموداً، تتخللها طاقات مفتوحة ومغلقة متعاقبة في المحيط الدائري لعنق القبة. أما قبة البهو التي أقيمت عام 381 هجري، فتعد من أروع القباب التونسية جميعاً لما فيها من تناسق الزخرفة، وإتقان المعمار وتوافق النسب، وتتميز قبة محرابه بزخرفة كامل المساحة الظاهرة في الطوابق الثلاثة بزخارف بالغة الدقة، تعتبر الأنموذج الفريد الموجود من نوعه في العمارة الإسلامية في عصورها الأولى. كما يتميز المسجد بزخرفة فريدة تقوم على تناوب اللونين الأبيض والرمادي في كتل الحجارة التي تؤلف مداميك البناء داخل قبة المحراب، ولعل مهندس جامع الزيتونة قد استلهم فكر وتناوب اللونين من عقود جامع قرطبة التي فيها حجارة ذات ألوان عديدة. وبجامع الزيتونة منبر خشبي بديع يعود صنعه إلى عام 250 هجري، وهو قريب الشبه بمنبر جامع القيروان، وإن كان أصغر منه، إذ فيه اثنتان وعشرون حشوة مستطيلة الشكل مع أن كل حشوة تنفرد عن أخواتها ولا تشبهها، وتزدان هذه الحشوات بزخارف هندسية على شكل مربعات ودوائر ومعينات محفورة بمهارة في الخشب حفراً غائراً مفرغاً، لتضفي على المنبر جمالاً ورونقاً. لم يكن المعمار وجمالياته الاستثناء الوحيد الذي تمتّع به جامع الزيتونة، بل شكّل دوره الحضاري والعلمي الريادة في العالمين العربي والإسلامي إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه وتثبيت مكانته كمركز للتدريس، وقد لعب الجامع دوراً طليعياً في نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب، وفي رحابه تأسست أول مدرسة فكرية بإفريقيا أشاعت روحاً علميّة ومنهجاً حديثاً في تتبع المسائل نقداً وتمحيصاً، ومن أبرز رموز هذه المدرسة علي بن زياد مؤسسها، وأسد بن الفرات. ومثل الجامع أيضاً همزة الوصل بين المشرق العربي ودول المغرب، فكان مدخلاً طبيعياً للثقافة المغربية المتميزة، وأثنى العديد من أعلام المشرق على دور الجامع الديني والعلمي حيث اعتبروه بجانب الجامع الأزهر والمسجد الأموي من الحصون للدفاع عن اللغة العربية والشريعة الإسلامية.