سؤال لا يدرك الثقل الشديد لإجابته على القلب إلا من فقد وطنه! ولا يدركه أيضا إلا من أعمل فكره وعقله فيما حوله من مقدرات وطنه ومجتمعه، فيقيم نفسه حصنا حصينا في لبنات أسواره، لا يغتال ولا يخترق من قبله، تقف هامته شامخة ما بقي حيا، هامته من هامة وطنه الشامخ. أي أمانة حملها الإنسان حينما حملها؟ أمانة الدين والوطن والعرض والنفس والمال وكل ما ملكت يمينه. وأي شرف ومجد له أن يتجاوز في الدارين، مجد الوفاء بحمل تلك الأمانة أمام الله ثم العالمين؟ وهل لأحد منا أن يجزِّئ مكونات تلك الأمانة المجتمعة على كاهل المرء؟ هل في مقدرة أحد أن يحمل هذه ويخلف وعده مع أخرى؟ يكفي سقوط إحداها لتتناثر الأخريات كحبات مسبحة انفرط حبلها وتقطّع. فصل القول وقبله العمل في مكابدة المرء لحمله الأمانة الملقاة على كاهله؛ أن يضع مخافة ربه، جلت قدرته، أمامه في كل شأن من شؤون حياته، صغر أم كبر ذلك الشأن، وأن يحصّن فكره بالعلم والبحث الدؤوب في طريق نيل السلطان الحقيقي للإنسان، ممثلا في العلم والفكر، وهل عز الإنسان أو انتصر لأمانته وحفظها بغير العلم على مدار آلاف السنين من حياة البشرية؟ يأتي بعدئذ؛ موقعك ودورك في محيطك الواسع "كل نفس بما كسبت رهينة". ولي الأمر يقيم شرع الله في حكمه بالعدل والإحسان، والوزير والمسؤول عليه الوفاء بأمانة منصبه الذي تولاه، وهكذا إلى الموظف والعامل والطالب ورب الأسرة والأم وكل من انتمى إلى كيان وطنه ومجتمعه. وبينهم جميعا وعليهم تقوم كلمة الله لا تعلوها كلمة؛ بالحق والولاء والنصح والحكمة والرحمة والمودة والأخوة إلى آخر مكارم الأخلاق، التي لا تختلف عليها الأديان والملل والمذاهب. لكل منّا منبر أمانته، التي قد لا يدركها المرء في دنياه، إلا أنه سيقف عليه ويشعر بثقل وزنه يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، فلا يجهلن أي منا منبر أمانته بحجة ألا أحد يدركه، ولا يحتقرن أي منا منبره بحجة ألا أحد يشعر به لهوانه على الناس! كل مسخر لما خلق لأجله، وما الله بظلام للعبيد. الآن؛ ينظر كل منا لما حوله في مختلف بقاع المعمورة، كيف تتخطف الفتن والحروب والأزمات والجوع والخوف والهلاك كل ما يقف في وجهها شعوبا وأمما، فلا تبقي ولا تذر، بعد دهسها الأوطان والمجتمعات، إلا الدخان والرماد. فإن كنت تغبط أمة من الأمم على تقدمها وحضارتها وحظوتها بين بقية البشر، وفي ميزان القوة والعدالة والعلم والفكر والتنمية الشاملة، فاجعل تلك الغبطة وقودا لك تنير به حياتك وحياة مجتمعك بالالتزام والعمل والقدوة والكلمة الصادقة. وإن كنت تستعيذ وتجزع مما أصاب أمة من الأمم من دمار وخراب وفساد وهلاك، فإن عليك أن تترجم ما استعذت بالله منه إلى طاقة محفزة في داخلك، والله الله أن يأتي من قبلك أول الشرر، أو أن تكون منبت الفتنة والخطر! كما أن من الشجاعة والكرامة والحرية والاستقلالية وكل ما قامت عليه الفطرة السليمة في كل إنسان منا، أن يحفظها المرء ويصونها من مجرد المس، ولا يغفل عن الذود عنها لحظة من حياته بأغلى ما عنده من حطام الحياة؛ فإنها كذلك وجزء لا يتجزأ مما حولك من وجود وانتماء، بدءا من أسرتك مرورا بمجتمعك وانتهاء إلى الكل الأغلى ممثلا في وطنك الذي تنتمي إليه وينتمي إليك! وكم هو الفارق شاسع جدا بين أن تكتفي فقط بالجزء الصغير الخاص بك فقط، وبين ألا تفرق أو تفصل بينك وبين بقية الانتماءات التي تنتمي أنت إليها، بل وكانت سببا في وجودك الذي تحرص عليه؟ فآثام الحالة الأولى تبدأ بأنانية مقيتة، وما سيليها ليس إلا هبوطا أكثر هوانا ومقتا في مهاوي الانحطاط والذل. بينما تزداد تألقا وسموا في الحالة الثانية، التي تدرك في سلالمها الصاعدة أن كرامتك ومجدك جزء لا يتجزأ من كرامة ومجد وطنك ومجتمعك وكل ما ملكت يمينك. إننا ونحن نجدد عهدنا بعيد الفطر المبارك، نجدد أولوياتنا كافة، ونجدد أفكارنا ورؤانا تجاه واقعنا ومستقبلنا، ونجدد أنفسنا بتقويمها على طريق الحق والشرف والكرامة والحب والأخوة ومكارم الأخلاق النبيلة، نستحثها من جديد بداخلنا وفي ذوات من حولنا من الذين تربطنا بهم رابطة الدم والرحم والأخوة والجيرة والزمالة والمعرفة. ولأننا نشهد هبوب العواصف والفتن والحروب على رؤوس الأوطان في مختلف أنحاء المعمورة من حولنا، فلا أولى من تجديد العهد بحب وطننا العظيم وأهله جميعهم دون استثناء لأحد، وتجديد العزم والعمل والجهد لصونه من كل خطر وشر، وتجديد القول والعمل بأن الكيان العظيم الذي يجمعنا سيسبق أي مساس به فداؤنا إياه بالدماء والأرواح، وأن من قد تسول له نفسه خيانة أو سرقة أو غدر جزء منه مهما صغر حجمه، لن يحصد إلا هلاكه وخاتمته الذليلة. عدت إلينا أيها العيد المبارك، وعودك أحمد وميمون على بلادنا وأهلها، وعلى أمتنا الثكلى بجراح دامية بالحزن والألم، ومن لتلك الأمة العظيمة غير هذه البلاد الأبية وأهلها الأشراف؟ من قد يظن نفسه أهلا لحمل أوجاع أمة الإسلام غير بلادنا وأهلها، الذين سخروا أنفسهم وأموالهم وإمكاناتهم ومقدراتهم لأجل أمتهم في كل شبر من وجودها على وجه الأرض؟ إنها البلاد وأهلها الذين حملوا للعالم العون والدعم والكرامة والإخاء والوفاء، لا سواهم ممن حمل إلى العالم الإرهاب والفتن والانقسامات والحروب. طيب الله أيامكم جميعا بالتوفيق والمحبة والتقدم والأمن والأمان والسلام، وكل عام وأنتم جميعا بخير، والله ولي التوفيق. نقلا عن الإقتصادية