ماذا تعني المنافسة الطاحنة في صنع الحواسيب الخارقة «سوبر كومبيوتر»؟ ربما تبدأ الإجابة من تذكّر ميزات هذا النوع من الأجهزة المتطوّرة. إذ يستطيع الـ»سوبر كومبيوتر» إنجاز عمليات معلوماتية متقدّمة، لا تقتصر على مجرد القدرة الهائلة في عمليات الحوسبة وامتلاك ذاكرة ضخمة. لنأخذ مثلاً عملية المحاكاة الافتراضية Virtual Simulation. يقدر الـ»سوبر كومبيوتر» على انجاز محاكاة افتراضية لعمليات على غرار صنع سيارة أو طائرة حربية أو قمر اصطناعي، سواء على مستوى المنتج نفسه أم عملية الإنتاج كاملة في المصنع. من المستطاع انجاز محاكاة افتراضية عن معارك حربية متنوّعة، بما فيها الأداء التفصيلي للأسلحة المختلفة. واستطراداً، برهن الحاسوب الخارق أنه يستطيع صنع محاكاة افتراضية لتفجير قنبلة نووية، ما ساعد دولاً كبرى على التخلّص من إجراء تجارب نووية فعليّة. وتعتمد الدول على حواسيبها الخارقة في عمليات تطوير الصناعة والزراعة في حقولها المختلفة، ما يجعل المنافسة بين منتجاتها مرتكزة على تقدّمها في مجال الـ»سوبر كومبيوتر». وفي ثمانينات العقد الماضي، نهض الاقتصاد الياباني إلى حدّ تفوّق الولايات المتحدة في مجالات شتى، بالترافق مع اختراق قوي للسوق الأميركية. وحينها، شكل احتفاظ الولايات المتحدة بالتفوق في مجال الـ»سوبر كومبيوتر» بفضل الحاسوب الخارق «كراي»، بداية لسلسلة من مؤشرات إلى استمرار أميركا في موقعها الأول عالمياً، في الاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية وغيرها من معطيات القوة الاستراتيجية للدول المعاصرة. عودة التنين الصيني على هذا المستوى، تتعامل الدول مع مسألة المنافسة في الـ»سوبر كومبيوتر». وفي العام 2010، استطاعت الصين للمرة الأولى، ان تصعد الى المرتبة الأولى في سباق الحاسوب الخارق، ما دفع كثيراً من مراكز البحوث الأميركية الى التنبّه لقوة صعود «التنين الصيني» عالمياً، ولعله كان مؤشراً الى الانطباع الواسع بوصول الصين الى موقع القوة الثانية عالمياً. وما لبثت أن عادت الولايات المتحدة الى موقعها الأول المكين، الذي تحتله بصورة مستمرة في هذه المنافسة المريرة. وقبل أيام، التهبت المنافسة مجدداً بين بلدي «العم سام» و»العم ماو»، إثر تفوّق حاسوب خارق صينيّ على منافسيه، وحصده لقب النظام الحاسوبي الخارق الأقوى عالمياً. حمل هذا الـ»سوبر كومبيوتر» اسم «تيانهي 2» Tianhe-2. وطوّرته «الجامعة الوطنيّة للتكنولوجيا الدفاعيّة» National University of Defense Technology التي تديرها الحكومة الصّينية. وتصدّر «تيانهي 2» قائمة أسرع 500 حاسوب فائق، التي يُعدّها فريق من الباحثين الدوليين مرّتين سنوياً. وأعرب هؤلاء الباحثون عن «تفاجئهم» بهذه الأخبار، بما أنّه لم يكن من المتوقّع أن تجهّز الصين النظام المستخدم في «تيانهي 2»، قبل حلول العام 2015. ووفق ما ورد في القائمة عينها، احتلّ الحاسوبان الخارقان الأميركيّان «تيتان» Titan وسِكوشيا» Sequoia المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي، فيما تراجع الحاسوب «كاي» K اليابانيّ إلى المرتبة الرابعة. ونُشِرَت هذه القائمة التي يشرف عليها هانس موير، وهو أستاذ في علوم الكومبيوتر الخارق في جامعة «ماينهايم» الألمانية، بالتزامن مع انعقاد «المؤتمر الدولي حول الحوسبة الفائقة»International Supercomputing Conference في مدينة «لايبزيغ» في ألمانيا. في التفاصيل التقنيّة أن الحاسوب الصيني «تيانهي-2» (تعني كلمة «تيانهي» بالصينية «مجرّة درب التبّانة» Milky Way) أُخضِع لاختبار «لينباك» لقياس سرعة الحواسيب الخارقة. وتبيّن أنه قادر على العمل بسرعة 33.86 بيتافلوب في الثانية، ما يساوي 33860 تريليون عمليّة حسابية في الثانية. ومن شأن اختبار «لينباك» قياس أداء الحاسوب الخارق أثناء أدائه مهمات فعليّة. في المقابل، ومن الناحية النظريّة، يمكن لكومبيوتر «تيانهي-2» الوصول إلى نقطة الذروة في الأداء، مع سرعة في إداء عمليات الحوسبة تلامس الـ 54.9 بيتافلوب في الثانية! انجاز للقطاع العام و...»إنتل» يذكر أنّ «تيانهي-2» صُنِعَ برعاية «برنامج 863 للتكنولوجيا العالية» الذي تديره الحكومة الصينيّة. ويمثّل مشروعاً أُطلِق في إطار بذل جهود ترمي إلى جعل قطاعات التكنولوجيا العالية في الصين أكثر تنافسيّةً عالمياً، وأقلّ اعتماداً على الخارج. وصرّحت الحكومة الصينية بأنّها تنوي تركيب الجهاز في «المركز الدولي للحوسبة الفائقة» في «كوانزو»، الذي يقع في مقاطعة «غواندونغ» جنوب شرقي البلاد، مع إشارتها إلى أنها تعتمده مرجعاً للبحوث والتربية في جنوب الصين. ويستخدم هذا الكومبيوتر قرابة 312 مليون «نواة» («كور» Core) لمعالجة المعلومات، وهي متضمّنة في مجموعة من الرقاقات الإلكترونية من نوعي «أيفي بريدج» Ivy Bridge و»زيون» Zion، وكلاهما من صنع شركة «إنتل» Intel العملاقة، لإنجاز عملياته في الحوسبة الخارقة. في المقابل، تفقّد جاك دونغارا، من جامعة «تينيسي» الأميركية، وهو عضو في الفريق المسؤول عن وضع القائمة التي تضمّ أسرع 500 حاسوب فائق، هذا المشروع في أيّار (مايو). وأشار إلى أنّ معظم ميّزات «تيانهي-2» صنعت في الصين، بصورة فريدة من نوعها. وتشمل هذه الميّزات: > شبكة تواصل بين الرقاقات الإلكترونية، توجّه البيانات عبر نظام تشغيل «تيانهي-2». > وضع 4096 وحدة معالجة إلكترونيّة مركزيّة من نوع «غالاكسي أف.تي-1500»، صُمِّمت في «الجامعة الوطنيّة للتكنولوجيا الدفاعيّة». وأُدخِلَت هذه الوحدات بطريقة تعطيها القدرة على التعامل مع تطبيقات محدّدة حول توقّعات الأحوال الجويّة والدفاع الوطني. > استخدام نظام التشغيل «كيلين» Kylin، وهو اسم يشير إلى وحش في أساطير الصين اسمه «وحيد القرن الصّيني»، مع ملاحظة أنه صُنع استناداً إلى نظام «لينكس» Linux المفتوح المصدر. ويشي صنعه بنظام مفتوح المصدر، بأن الجامعة عملت على تصميمه بما يجعله خياراً آمناً كليّاً لمستخدميه في قطاعات الحكومة، والدفاع، والطاقة، والفضاء الجويّ، وقطاعات اخرى حسّاسة بالنسبة لحكومة الصين. ومن الناحية النظرية المحضة، يكاد أداء حاسوب «تيهاني 2» يبلغ ضعف منافسه الأميركي «تيتان» الذي احتلّ المركز الثاني على القائمة. فوفق اختبار «لينباك» لقياس الأداء، تصل سرعة عمل حاسوب «تيتان»، الموجود في «مختبر أوك ريدج الوطني»، إلى 1759 بيتافلوب في الثانية، فيما يبلغ الحدّ الأقصى نظرياً لهذه السرعة إلى 2711 بيتافلوب في الثانية.