تواصل تقرير: لا شك أن العيد مظهر من مظاهر الدعوة إلى الإسلام؛ فالعالم يشاهد تجمعات المسلمين وصلاتهم في الساحات وما يظهر من وُد وتواد وحب بينهم. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحرص الناس على إدخال الفرح والسرور على أهل بيته، فها هي عائشة رضي الله عنها تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فسمعنا لَغَطاً وصوت صبيان! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا حبشية تزفن (تتمايل وتلعب) والصبيان حولها، فقال: يا عائشة تعالي فانظري فجئتُ فوضعتُ لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: أما شبعت؟ أما شبعت؟ قالت: فجعلت أقول: لا؛ لأنظر مَنْزلتي عنده، إذ طلع عمر، قالت: فارفضَّ الناسُ عنها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فرُّوا من عمر قالت: فرجعت. رواه الترمذي. وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا. وعندما نحاول معرفة طرف من تلك الأناشيد وكلماته فإنها كانت بلغتهم، حتى إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يستفهم عن معانيها، ففي المسند وصحيح ابن حبان عن أنس بن مالك أن الحبشة كانوا يزفنون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتكلمون بكلام لا يفهمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يقولون؟ قالوا: يقولون: محمد عبدٌ صالح. ويستنبط العلماء مما تقدم فوائد عديدة أهمها؛ مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن، وإذا كان الشخص بسبب كبره أو مكانته ووقاره لا يميل إلى الترويح والترفيه وهذا لائقٌ به، إلا أن الآخرين خصوصاً الأهل والأولاد ومن هم في مقتبل العمر يحبون ذلك ويميلون إليه، فينبغي أن يمكَّنوا من هذا الرغبة الفطرية في إطار ما أباحته الشريعة. أيضاً فيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدِّين، ولذلك لما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- غناء الجاريتين الصغيرتين لم يمنعهما بل أقرهما، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا بكر يريد منعهما قال: دعهما وفي رواية أخرى قال: يا أبا بكر، إن لكل قومٍ عيداً، وهذا عيدنا، وفي رواية في المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: لِتَعْلَمَ اليهود أنَّ في ديننا فسحةً، إني أُرسلت بحنيفية سمحة. كما استنبط العلماء أيضاً أن ذلك فيه الرفق بالمرأة واستجلاب مودتها، فإنها مجبولةٌ على المشاعر المرهفة والعواطف الرقيقة، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في هذا الباب وبيوته الكريمة زاخرة بمظاهر الإحسان والتودد والوفاء لأمهات المؤمنين. وأكد العلماء من خلال ما تقدم من أحاديث أن انشغال الشخص باللهو والترفيه لا ينبغي أن ينسيه المنهج الشرعي والتربوي الذي ينبغي التحلي به، فاللهو والفرح لا يبرر ارتكاب المحرمات ولا الإخلال بالواجبات ولا التسبب في أذى أحد من الناس، وهذا ما تلمح إليه السيدة عائشة، رضي الله عنها، في قولها: كان الحبش يلعبون بحرابهم فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر.. . فالعيد في الإسلام شعيرة ساميةٌ متكاملة وموفيةٌ لحاجات الروح والجسد، فالعيد يأتي متوجاً لشعائر عظيمة جليلة مما شرعه الله في رمضان وأشهر الحج من أنواع العبادات العظيمة، فتلك مبتغيات الروح: (قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) [يونس:58].