بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك الذي يحتفل به جميع المسلمين في العالم، يطيب لي أن أتقدم إلى الشعب السعودي الصديق والأصدقاء المسلمين في المملكة، بأصدق التهاني والتمنيات بدوام الصحة والعافية. وإنه في شهر رمضان المبارك الذي جعله الله شهر خير وبركة، قام أكثر من 20 مليون مسلم صيني أسوة بإخوانهم المسلمين المنتشرين في بقاع الأرض، بالصيام والصلاة والإحسان وغيرها من أعمال الخيرات، ومن خلال ذلك فهموا روح الإسلام المتمثلة في المحبة والتراحم والتعاطف والتسامح فهما أعمق. ومما يزيد سرور المناسبات أنه بعد بضعة أيام، وتحديدا 21 يوليو الجاري، سيصادف الذكرى السنوية ال 25 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة العربية السعودية، وهو يوم يستحق الاحتفال الحار به. ورغم أن المملكة كانت آخر دولة عربية قامت بتأسيس علاقات دبلوماسية مع الصين، إلا أن هذه العلاقات شهدت تطورا سريعا وحققت إنجازات كبيرة جدا في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة. ويعد الاحترام المتبادل بين الصين والمملكة إحدى الركائز المهمة لتطور العلاقات بين البلدين، فرغم الاختلاف بينهما في التاريخ والثقافة ونمط التطور، إلا أن العلاقة ارتكزت دائما على الاحترام المتبادل ومبدأ المساواة في التعامل، بحيث يحترم كلٌّ منهما الثقافة التقليدية والأنظمة الاجتماعية والمصالح الجوهرية للطرف الآخر. والصين كانت وما زالت وستظل تعارض الربط بين الإسلام والإرهاب، وتعارض تدخل أي دولة في سيادة المملكة وشؤونها الداخلية، وهما بكونهما ممثلتين للحضارتين الصينية والإسلامية، فإنهما تدعوان للاحترام المتبادل والتعايش بين أصحاب الحضارات المختلفة، وتعملان على دفع التبادل والحوار بين الحضارات، حتى أصبحتا نموذجا يحتذى به في التسامح والتعايش. ودليلا على عمق العلاقات الثنائية بين البلدين، حلّت الصين عام 2013م ضيف شرف على مهرجان «الجنادرية للتراث والثقافة»، كما كانت المملكة في المقابل ضيف شرف لمعرض بكين الدولي للكتاب. وإلى جانب ذلك، قررت المملكة فتح فرع لمكتبة الملك عبدالعزيز العامة بجامعة بكين، وهناك أيضا زيادة مستمرة في عدد الطلاب المبتعثين بين البلدين، وعدد المسلمين الصينيين الذين يقصدون المملكة سنويا لأداء فريضة الحج. وتعد المفاهيم المشتركة أساسا متينا لتطور العلاقات الصينية – السعودية، وكما يقول المثل العربي «اختر الرفيق قبل الطريق»، ودائما ما يؤكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على مبدأ الالتزام واحترام السيادة، داعيا إلى حل الخلافات من خلال الطرق السلمية، ومعارضة الإرهاب بشتى أشكاله، وهذا هو ما تدعو إليه الصين وتلتزم به، فمثلا: الصين تؤيد بثبات القضية العادلة للشعب الفلسطيني في تأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وتلعب دورا إيجابيا في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وتؤيد أن تكون المنطقة خالية من السلاح النووي، وتلعب دورا إيجابيا في دفع عملية الانتقال السياسي في اليمن وحماية استقراره، ولطالما شاركت بموقف إيجابي في محادثات الملف النووي الإيراني. وفي ظل الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فإن الصين والمملكة ستعملان على مزيد من التواصل والتنسيق بما يساعد على استقرار المنطقة وتنميتها. والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة بين البلدين دافع قوي لتطور علاقاتهما؛ فبينما تعد المملكة العربية السعودية منتجا ومصدرا رئيسيا للنفط على مستوى العالم، فإن التنمية الاقتصادية التي تشهدها الصين تزيد من حاجة الطلب على مصادر الطاقة. والمملكة أكبر مصدر نفطي عالمي، وأكبر شريك تجاري للصين على مستوى غربي آسيا وإفريقيا لسنوات طويلة. وفي ظل التغيرات التي تشهدها معادلة مصادر الطاقة عالميا، يشهد البلدان إمكانيات ضخمة جدا في تعميق التعاون بالمجالات المعنية. والبلدان يمران اليوم بمرحلة تاريخية مهمة للتنمية، فالصين من جهتها تسعى إلى التكيّف مع الأوضاع الجديدة للتنمية الاقتصادية وقيادتها، والعمل على الإسراع في تغيير نمط التنمية الاقتصادية، وتأسيس هيكل اقتصادي منفتح جديد. وفي ظل تراجع أسعار النفط عالميا، تعمل المملكة من جهة أخرى على تنويع اقتصادها ودفع مشروعات البنية التحتية وزيادة معدلات التوظيف. وبسبب ذلك شهد التعاون بين البلدين توسعا وارتفاعا مستمرا في بناء البنية التحتية والاستثمارات والمجالات الجديدة، مثل: الطاقة المتجددة والفضاء والعلوم والمالية. وتعد مبادرة «الحزام والطريق» هي الأخرى فرصة مهمة لتطور العلاقات الصينية – السعودية، وتعمل الصين حاليا على دفع بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و»طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين» الهادفان إلى السلام والتعاون والمنفعة المتبادلة والفوز المشترك، وتحتل المملكة نقطة التقاء مهمة في هذا الحزام، وتعد من أهم الشركاء في البناء المشترك. وفي ظل تعاون 1+2+3 الذي يقوم على اعتماد التعاون الصيني - العربي في مجال الطاقة كركيزة أساسية، والتجارة وتيسير الاستثمار كجناحين، والطاقة النووية والفضاء ومصادر الطاقة المتجددة كمحطات انطلاق مهمة؛ فإن المملكة تعد أحد أهم الشركاء بامكانياتها الضخمة. ختاما.. وبمناسبة الذكرى السنوية ال 25 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والمملكة؛ نستعد للتمسك مع الجانب السعودي بروح الاحترام المتبادل والمفاهيم المشتركة لتعميق التعاون لما فيه الخير للشعبين الصيني والسعودي، والعمل على دفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد أعلى. * السفير الصيني لدى المملكة