عبداللطيف الزبيدي لا أحد يتشاءم إلى حدّ تصوّر أن طريقة التفكير العربية غير قابلة للتغيير. الواقع يرينا أن محال الماضي، يتجاوز كل عسير، وإذا بالجبل يسير، وربما يطير. العالم العربيّ طبّق بألف طريقة وطريقة، طوال عقود، بيت زهير بن أبي سلمى، ولكن من دون تحليل حصيف. يقول شاعرنا: ومن لم يصانع في أمور كثيرة.. يُضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم. قلت لزهير: كيف تقول: يضرّس بأنياب؟ قال: كرهت أن أقول: يضرّس بأضراس. قلت: قل يُمزّق بأنياب. المصانعة في لغة الضاد ألوان. مصانعة الند للندّ، أي أن تصنع للطرف شيئاً لكي يصنع لك شيئاً آخر. وهنا يكون زهير قد وضع أساس دبلوماسية متوازنة، تدعمها معان أخرى للمصانعة (لسان العرب): المداراة والمداهنة، أي لعبة المصالح وما تقتضيه من أدواتٍ تشكّل في حدّ ذاتها حدوداً. أي إن الطرف يقرن المصانعة بعدم إعطاء أيّ شيء من دون توافر مقابل يأخذه، معادل في القيمة. التجارب العربيّة تفرض المقارنة بما انتهت إليه إيران في الملفّ النوويّ، بصرف النظر عن أن واشنطن والعواصم الغربية لم تخرج قيد أنملة عن المنفعيّة ودوام المصالح لا دوام الصداقات أو العداوات. بيت زهير يختزل ما نسمّيه إدارة الأزمات، التي يؤدي عدم الإلمام بها إلى أن يضرّس الطرف ويوطأ بمنسم. بعد عشرين سنة من التفاوض قال كبير المفاوضين الفلسطينيين: لقد فشلنا. لا يا أخي، أنت لم تفشل، لقد ضيّعت القضيّة، لأن الهاوية التي أوصلوك إليها، ليست هي النقطة التي انطلقت منها. لأنك انطلقت وأنت خائف واهم أنك لا تملك غير واحد في المئة، فعلموا أنك ستقبل عندما يجرّدونك من كل حقك عدا الواحد في المئة. الآن، وقد حصحص الحق، علينا الاعتراف بأن طريقة التفكير تلك، هي التي جعلت البلدان العربية أحجار دومينو. ولو كانت الجامعة جامعة، لما كان صدّام يغزو الكويت، ولا بوش يغزو العراق، ولا ولا. ولو عرفنا كيف نصانع مصانعة الند للند مع أقوياء العالم، لكانت عشرة في المئة ممّا خسره العرب طوال عقود، أقامت تنمية تناطح النجوم. لزوم ما يلزم: النتيجة المأساويّة: ما الذي يتعذّر على الجامعة معرفته؟ الإحساس بالمسؤوليّة إزاء الشعوب. abuzzabaed@gmail.com