×
محافظة المدينة المنورة

مليون مصل يشهدون ختم القرآن في المسجد النبوي

صورة الخبر

الإسلام دين لا يعرف اللهو الصارخ، لأن اللهو الصارخ عبث، ولا يعرف العبوس والقنوط، لأن العبوس والقنوط يأس من روح الله، وإنما هو دين وسط بين الإفراط والتفريط، يحترم عقل الإنسان المسلم ووجدانه، ويرى فيه الاثنين معًا، بحيث يكون سلوكه نابعاً من وجدان مؤمن، ومن عقل رشيد لا ينحدر إلى أسفل سافلين، وفي الوقت ذاته لا يتعلق بالنجوم، لا يتسفل فينخرط في سلك الحيوانية، ويعزل نفسه داخل أسوار المادية الرهيبة، ولا يتغالى فيحبس ذاته في سجن الكهنوت حيث لا كهنوت في الإسلام. من أجل ذلك كان وصف القرآن لاتباع الإسلام أمة وسطاً تأمر بالمعروف الذي يتمشى مع الفطرة والعقل، وتنهى عن المنكر الذي تأباه الفطرة والعقل.. ومن هنا كانت أعياد الإسلام مثلاً لوسطيته..والسيدة عائشة، رضي الله عنها تحدثنا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري، فيقول: دخل عليّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، وعندي جاريتان تغنيان، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، جهة الحائط، وجاء أبو بكر فانتهرني، وقال: أمزمارة عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: دعهما، فان لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا. وفي ذلك، كما يقول ابن حجر في فتح الباري، تعليل الأمر بتركها، وإيضاح خلاف ما ظنه الصدّيق من أنهما فعلتا ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه، فأنكر ذلك على ابنته، فأوضح له النبي، عليه الصلاة والسلام، الحال مقروناً ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس. وروى البخاري أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة، ولأهلها في الجاهلية يومان يلعبون فيهما، فقال عليه الصلاة والسلام: قد أبدلكم الله بهما يومين خيراً منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى. كما روى البخاري ومسلم وغيرهما أن الحبشة دخلوا المسجد يوم عيد يلعبون بالدرق والحراب، ويرقصون، ويغنون بكلامهم فرحاً برسول الله، صلى الله عليه وسلم، والنبي، صلوات الله عليه، ينظر إليهم، فسألوه: ماذا يقولون: فقال: يقولونك محمد عبد صالح.. ثم جاء عمر فنهرهم، فقال عليه الصلاة والسلام: دعهم يا عمر، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، وأني بعثت بحنيفية سمحة. وهكذا كان صلى الله عليه وسلم قدوة في استقبال أعياد الإسلام، وكان كل هدفه إدخال السرور والبهجة على أتباعه، وليكون ذلك سنة حسنة تسير عليها الأجيال المسلمة من بعده. ففي عيد الفطر: أمر صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر، شكرا لله على إتمام فريضة الصوم، ومشاركة في إدخال السرور على الفقراء، حيث قال عليه الصلاة والسلام: أغنوهم عن ذلك السؤال في هذا اليوم. وذلك ليلبس أبناء الفقراء الجديد من الثياب كما يفعل أبناء الأثرياء. وفي عيد الأضحى: أمر صلى الله عليه وسلم بذبح الأضاحي، وبذل الكثير منها للفقراء، حتى أنه لما حصل جفاف في البادية هلكت بسببه كثير من دوابهم، ولما كان يوم عيد الأضحى، وكانوا يعلمون أن المسلمين يضحون بكثير من الإبل والبقر والغنم يوم العيد، وفد كثير من أهل البادية على المدينة لينالوا من تلك اللحوم. ولما كانت عادة أهل المدينة أنهم بعد التصدق بشيء من أضحياتهم يقددون (أي يحففون) كثيراً من اللحم ويدخرونه ليأكلوه فيما بعد، لذلك أمر صلى الله عليه وسلم يوم العيد من ذلك العام ألا يدخر مسلم شيئا من لحوم الضحايا فوق ثلاثة أيام. ومعنى ذلك أنه صار أكل شيء من لحوم الضحايا حراما بعد اليوم الثالث، وعندئذ علم المسلمون جميعا أن لا فائدة من ادخار اللحوم، فبادروا بتوزيعها على الفقراء. ولما جاء العام الثاني، ولم يكن هناك جفاف، خطب صلى الله عليه وسلم، فقال: كنت نهيتكم عن ادخار لحم الأضاحي لأن أهل البادية كانوا قد وفدوا على المدينة، وفي هذا العام خصبت البادية فكلوا وادخروا. وفي خلافة علي، رضي الله عنه حصلت هذه الأزمة للبادية، وأقبل عيد الأضحى، فأمرهم بما كان قد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من عدم الادخار من الضحايا. أين هذه السنة الحسنة مما نفعله اليوم في أعيادنا من بدع تبتعد بنا عن فطرة الإسلام وسماحته ويسره؟ فبينما الأطفال بملابسهم الجديدة الزاهية، وبلعبهم التي يأنسون إليها، يرتعون ويمرحون في الشوارع والمتنزهات، وتتعالى أصواتهم الودودة الحبيبة بالغناء والضحكات.. إذ بأعينهم تقع على ذويهم فتفاجأ بعيون دامعة، ووجوه عابسة، وأجسام مجللة بالسواد.. وبدل أن يشاركوا أطفالهم فرحتهم بالعيد، يفعلون ذلك ويذهبون إلى المقابر في جو كئيب حزين. فهل يستطيع أحد أن يصور ما يجول بنفوس هؤلاء الأطفال في هذه اللحظة؟.. وخاصة إذا أضفنا إلى ذلك أنهم إما أن يتركوا أطفالهم ويذهبوا إلى المقابر، أو يصحبوهم معهم، وكلا الأمرين مر. وبعد أن علم المسلمون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه الأعياد، فهل تنبأ أحد لسبب هذا الوافد المظلم الذي هجم على سنة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وعلى تعاليم ديننا حتى شوهتها؟ نقول، والأسى يمزق قلوبنا: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حذر من إهمال هذا النوع من الوافد الخيف مراراً وتكراراً، وبصور مختلفة.. من ذلك قوله، صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري: لتتبعن سنن من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. لتتبعن بتاءين مفتوحتين، وباء مكسورة، وعين مضمومة، ونون مشددة.. سنن بفتح السين أي طريق.. قال عياض: الشبر، والذراع، والطريق، ودخول الجحر، كل ذلك تمثيل للاقتداء بهم في كل شيء مما نهى نه الشرع وذمه.. وقال ابن بطال: أعلم، صلى الله عليه وسلم، أن أمته ستتبع المحدثات من الأمور والبدع والأهواء كما وقع للأمم قبلهم.. (جحر)، بضم الجيم وسكون الحاء (ضب) بفتح الضاد وتشديد الباء: دويبة معروفة.. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن تخصيص جحر الضب لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم، واتباعهم طريقهم، لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لاتبعوهم. ومن ذلك أيضاً ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية. ليس منا قال الحافظ ابن حجر، قال الزبير ابن المنير: المراد أن الواقع في ذلك يكون قد عرض نفسه لأن يهجره الناس ولا يختلط بجماعة السنة تأديباً له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبحها الإسلام. شق الجيوب الجيب هو فتحة في أعلى الثوب ليدخل منها الإنسان رأسه ليتمكن من لبس الثوب، والمراد بشقه كمال فتحه إلى آخره وهو من أظهر علامات السخط. دعا بدعوى الجاهلية أي بعبارات أهل الجاهلية عند موت عزيز، كأن يقول: وامصيبتاه، واجملاه، وافارساه، ومن لنا بعدك.. الخ، ومنه أيضاً ما رواه البخاري قال: حدثني أبو بردة بن أبي موسى الاشعري قال: مرض أبو موسى مرضا شديدا حتى غشى عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال: إني برئ مما برئ منه محمد، صلى الله عليه وسلم فان رسول الله، صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة، والحالقة، الشاقة.. الحالقة هي التي تحلق شعر رأسها عند المصيبة، وبهذا تظهر المرأة في أقبح صورة، تشعر بأنها كرهت الدنيا ومن فيها.. الشاقة هي المتقدمة في (شق الجيوب) التي تشق ثوبها من فتحته العليا إلى آخره. ومنه كذلك ما رواه البخاري عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وأن لكل ملك حمى، ألا وأن حمى الله في أرضه محارمه. والمعنى: أن كل ما يحتاجه الناس، وعليه قوام حياتهم، فحله بين لكل أحد لتوفر الأدلة القاطعة بحله وكل فعل من الأفعال الضارة بالشخص أو بالمجتمع المعلوم ضررها بالنص واضح لكل أحد، وبين هذين أمور تنازعتها ظواهر أدلة الحل والحرمة فاشتبهت على كثير من الناس، أمن الحلال هي أم من الحرام، فمن اتقى الشبهات فقد طلب البراءة لدينه من النقص وعرضه من الطعن. وفيه دليل على أن من لم يتق الشبهات في كسبه ومعاشه، فقد عرض نفسه للطعن، ومروءته للخدش، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى بماشيته حول مكان محمي ليس ملكًا له إلا وأن حمى الله محارمه، أي معاصيه من ترك الواجب أو فعل محرم. يقول الشيخ محمد العدوي في شرحه لجوهرة التوحيد: إن كل الخير في اتباع سلف الأمة في أمر الدين، منهم يؤخذ، ومن طريقهم يعرف، لأن القرآن نزل على الرسول وهو بين ظهرانيهم، فهم أدرى الناس بحلاله وحرامه وعقائده وعباداته ومعاملاته، فأمور الدين في جملتها وتفصيلها تتلقى عنهم، فما كان من القرب في عهد الصحابة والتابعين فهو قربة وما لم يكن كذلك فليس من القرب في شيء، وإن تقرب به جميع الناس، وما كان من العقائد عندهم فهو أصل الدين وأساسه، وما حدث بعدهم فليس من العقائد بحال، ويجب أن يكون الرسول وأصحابه هم المرجع في أمور الدين كلها. وكذلك يجب أن تتلقى عنهم العبادات، كما كانت في عهد رسول الله، وعهد أصحابه، لا يزاد عليها ولا ينقص، فالذي يخترع عبادة لم تكن في عهدهم، أو شكلاً للعبادة لم يكن لها في ذلك العهد، فهو مبتدع في دين الله، لأن العبادات بذاتها وشكلها وحدودها وأوقاتها وأزمنتها تتلقى عنهم، وهذا ما اشار إليه صاحب الجوهرة في قوله: فكل خير في اتباع من سلف ** وكل شر في ابتداع من خلف وفي حديث مسلم مرفوعاً: خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وفي الصحيح من حديث عائشة: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد أي مردود باطل، والمراد به أمر الدين، وذلك هو المراد من حديث أصحاب السنن مرفوعًا: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ. وإذا علم أن الرسول، صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يزر أحد منهم القبور في يوم عيد، لأنه يوم عيد، فمن أين جاءتنا هذه البدع الشوهاء التي غيرت وجه الشريعة البيضاء؟