لم تقدر حكومة ميليشيات فجر ليبيا في طرابلس على الصبر بعد شروع السلطات التونسية في بناء جدار ،وحفر خندق على الحدود، فقد جددت هذه الحكومة غير المعترف بها هجومها على تونس مع ما تضمنه ذلك من تهديد مبطن ،بتوقع عجز الإجراءات التونسية عن تحقيق الأمن والتصدي للظاهرة الإرهابية. الاحتجاج الذي أعلنته حكومة الميليشيات لم يكن غريباً البتة، فهناك عوامل عديدة مهدت له، وكلها تؤكد أن تونس ستحد من علاقاتها مع سلطة الميليشيات في طرابلس ومع ليبيا عموماً، بعد أن تأكد لديها، بعد أعباء سنوات، أن ما يجري في الأراضي الليبية خطر جداً بسبب الفراغ الهائل ،وانعدام وجود دولة أو مرجعية سياسية يوثق بها. وهذه الخطوة التونسية كانت مطلوبة منذ زمن، لاسيما بعد أن دخلت ليبيا في حرب أهلية واستوطنتها جماعات إرهابية وإجرامية من مختلف الألوان والأجناس. فقبل عام انقسمت ليبيا إلى حكومتين وبرلمانين وجيشين، بحسب التوصيف الشائع، ولكنها ومنذ أن انطلقت ثورة 17 فبراير كانت البلاد منقسمة إلى دويلات وميليشيات ومشاريع متنافرة، وليس ما يحدث الآن إلا استكمال لما بدأ قبل أكثر من أربع سنوات، والحضور القوي للجماعات الإرهابية، وبينها تنظيم داعش، كانت حقيقة تلوح منذ 2011، ولكن الصخب الثوري أعمى الأبصار وقتها ،ولم يسمح بفرز الواقع وتبين المخاطر والمفاجآت التي حدثت بالفعل وما زالت تتوالى. هذا الواقع هو الذي فرض على دول الجوار الليبي ،ومن بينها تونس أن تتخذ ما تراه مناسبًا لحماية أمنها، وهو موقف ينسجم مع وعي بدأ يعم دول شمال إفريقيا وأوروبا ويتجه إلى اتخاذ سياسات حذرة تجاه الوضع ، من إحدى علاماتها إقدام تونس على بناء جدار لحمايتها من تسلل الإرهاب وشبكات التهريب. ويبدو أن الميليشيات المتطرفة قد آلمها التحرك التونسي، وتجاوز رد فعل حكومتها قضية الجدار إلى الرد على مواقف إقليمية ودولية تتجه إلى تغيير خطابها إزاء الأوضاع الليبية ، وبدأت تتحرك عمليًا لملاحقة الأطراف التي دمرت حياة الشعب الليبي وتهدد المحيط الدولي. قبل أيام قليلة وقعت أطراف ليبية بالأحرف الأولى في منتجع الصخيرات المغربي اتفاق السلم والمصالحة، ولكن برلمان حكومة الميليشيات في طرابلس رفض التوقيع ، بحجة أن الاتفاق لم يأخذ ببعض المطالب ،ومنها التقليص في صلاحيات مجلس النواب ،إضافة إلى شرط جوهري يتمثّل في إقصاء الفريق أول خليفة حفتر قائد الجيش الليبي من المشهد السياسي القادم. ورغم ورود تقارير عن وجود مساعٍ من الوسيط الدولي برناردينو ليون ،لإثناء حكومة طرابلس عن تعنتها والتوقيع على الاتفاق النهائي المفترض بعد عيد الفطر. ورغم ذلك فقد أصبحت هناك قناعة مؤكدة بأن الحكومة غير الشرعية وميليشياتها العديدة ليست لديها رغبة حقيقية في التوصل إلى سلم ومصالحة في ليبيا. وقد لا تكون العلة في تلك الميليشيات، وإنما من دوائر خارجية تمدها بالفتاوى والتوجيهات التي يلمع كثير منها حكومة ميليشيات طرابلس ،وتعتبرها القلعة الوحيدة ل الإسلام السياسي في شمال إفريقيا ومطلوب حمايتها وإن دخلت في حرب مع الجيران. عند تجميع كل هذه الخلفيات المتحكمة بالأزمة، يتبين حجم التخبط والفراغ في ليبيا، كما يتبين أيضا أن مسارعة تونس إلى إقامة جدار واقٍ كانت ضرورة ملحة وخطوة تسبق انفجاراً محتملاً جداً. chouaibmeftah@gmail.com